منذ انتهاء المواجهة الكبرى بقيادة الخالد ياسر عرفات، التي انطلقت من القدس رفضًا لتدنيس مقدسها الوطني والديني، من قبل الفاشية اليهودية ورمزها شارون استشهد يومها الأول 28 سبتمبر 13 مدافعًا عن شرف الوطن، بدأت حكومات الكيان العنصري، على خلق معادلة اقتحام الحرم القدسي، بأشكال مختلفة وطرق متنوعة، وتمكنت خلال 17 عامًا من ترسيخ واقع جديد في القدس، مسجدًا وحرمًا ومحيطًا.
خلال زمن السلطة الوطنية الأول، لم يكن مسموحًا لأي يهودي أن يقتحم أو يدنس المسجد الحرام، خاصة بعدما حاول رئيس الطغمة الإرهابية نتنياهو جس نبض السلطة عام 1996، بفتح بوابة نفق لتنطلق أول هبة شعبية – مسلحة ضد دولة الكيان وقواتها الاحتلالية، ليتراجع بعدما دفع الثمن فعلًا، وليس ادعاءً، وتوقف ومن تلاه عن أي محاولات لتجريب السلطة الفلسطينية.
منذ 2005، وحتى تاريخه أصبح اقتحام الفرق الاستيطانية الإرهابية اليومي للمسجد الأقصى وساحات الحرم القدسي، وحواليه، وكأنه حدث معتاد خال من رد الفعل الذي كان يمكن أن يكون، ولعل المواجهات تقتصر في مناسبات محددة، حاولت منع تأكيد "تهويد المكان"، في أكثر من فترة زمنية، لكن ذلك لم يمنع من فرض واقع جديد، لتكريس ما يعرف بتعبير "التقسيم المكاني – الزماني"، وكأن "التهويدية" أصبحت "حقا" يراد شرعنته عبر تفاهمات خاصة، بدأت فعليًا من خلال ما يعرف بـ اتفاق الكاميرات"، الذي مر بعثرات حتى تم بوساطة وزير خارجية أمريكا في حينه كيري بين الأردن وإسرائيل.
موضوعيًا، يمكن ملاحظة، دخول شبه يومي للإرهابيين المستوطنين بحماية قوات الاحتلال، وتحول من كونه حدث توتيري ومقدمة لمظهر من مظاهر "الغضب" إلى التعايش الواقعي مع تلك الظاهرة، ما يرسخ مفهوم التقاسم، الذي كان يمثل أحد "المحرمات الوطنية" ذهب مع "ريح الصوت العالي"، وانتقل الأمر من خطر الاقتحامات وأثرها على واقع الحرم القدسي، إلى انتظار مرحلة وضع "حجر الأساس لهيكلهم" بعدما أوشك "النفق" - كان سبب أول هبة في عهد السلطة 1996 – على الانتهاء وقرب افتتاحه الرسمي.
لم يعد يفاجئ الفلسطينيين وكل ملاحقي الأخبار اليومية، اقتحام المسجد الأقصى، وتلك المسألة التي أراد نظام الأبرتهايد في تل أبيب ترسيخها، واعتبارها خبرًا اعتياديًا، ونجحت بشكل كبير، وربما بشكل نهائي، بـ "كي وعي الفلسطينيين" أولًا و"العرب والعالم ثانيًا"، حول التعامل مع تلك الظاهرة الأخطر كونها بوابة تهويد لساحة البراق وجدارها، وفتح الباب لتغيير ملامح منطقة القدس.
خطورة "كي الوعي"، أنها تفقد جزءًا هامًا من المواجهة والتعبئة الوطنية للخطر الحقيقي الكبير، الذي تخطط له "اليهودية التوراتية والسياسية" فيما يتعلق ببناء الهيكل ليصبح هو رمز القدس وعلامتها المميزة، إلى جانب فرض "حقيقة جغرافية" جديدة، تلغي رمزية المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.
لعل الاختبار الأبرز لفرض "كي الوعي" جاء يوم 29 مايو "غزوة الأقصى"، حيث فرضت البعد التوراتي على المكان من خلال ما سمي بـ "مسيرة الأعلام" بخط سيرها مواقعا وبطقوس ممارسة تعلن أنها جزء من "البعد التوراتي" الذي يراد فرضه، وخرجت دولة الفصل العنصري بمكاسب رآها رأس الحكومة الإرهابية بينيت بـ "التاريخية"، أكدت ان "القدس موحدة ولن تقسم".
كي الوعي حول القدس تهويدا واقتحاما، لم يعد يتأثر أبدًا بـ "رشقات التهديد الصاروخي الكلامي اليومي" من فصائل شكلت موضوعيًا الستار العملي لفعل التهويد في القدس، سلوكًا ومواقفًا.
هل تتحرك بعض قطاعات الشعب الفلسطيني، وخاصة أهل القدس بصفتهم رأس حربة حماية المقدس الوطني – الديني في عاصمة فلسطين ورمزها، نحو عمل يعيد الاعتبار لما كان قبل عام 2000، لمنع ما هو قادم من تمرير "المشروع التوراتي – التهويدي" في القدس. تلك هي المسألة التي لا يجب أن تصاب بـ "خمول فكري" عبر "كي وعي من زاوية أخرى!