قررت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية دعوة المجلس الوطني للانعقاد في نهاية نيسان القادم. فأثار هذا القرار رزمة من ردود الفعل المتباينة. تراوحت بين مؤيد لعقد الجلسة العادية أي بغياب حماس والجهاد الإسلامي وبين من وصفها بأنها خطوة ستعمل على تعميق الانقسام.
إن التباين في ردود الفعل يعكس تعقيد المشهد الفلسطيني ويشير الى أن العلاقات بين القوى الفلسطينية يشوبها الكثير من العورات والاختلافات. في الوقت الذي تمر فيه القضية الفلسطينية بأوضاع شديدة التعقيد وبمنعطفات حادة وحاسمة فرضت حالة من الغموض والارتباك على خيارات الفلسطينيين. مما يتطلب قراءة موضوعية للمرحلة التي نمر فيها بكل تعقيداتها ومطباتها ومنعطفاتها.
نحن أمام مرحلة جديدة بكل المقاييس جراء تغير الواقع العربي والإقليمي والدولي الذي نتحرك في فضائه. بظهور علاقات وقوى جديدة وأولويات مختلفة، وقد لا نجانب الصواب إذا قلنا انه في خضم هذا التغير تراجع الاهتمام بالحل الذي يحظى بموافقة الفلسطينيين، ذلك الحل القائم على حقوق الفلسطينيين الثابتة التي كفلتها الأمم المتحدة. وأكثر من ذلك استطاعت إسرائيل اختراق العمق والحاضنة التقليدية للقضية الفلسطينية، أي العمق العربي، فلم تعد فلسطين قضية العرب المركزية، الا بالشعارات والمزاودات اللفظية التي سرعان ما تتلاشى أمام العصا الأمريكية. وفي الواقع لم تعد إسرائيل العدو الأول لعديد من الدول العربية، بل تلوح في الأفق شراكة محتملة معها لمواجهة أعداء جدد من وجهة نظر تلك الدول.
تآكل الحاضنة التقليدية حفز إسرائيل لتسريع خطواتها الأحادية لفرض وقائع جديدة على الأرض لفرض حلها التصفوي للقضية الفلسطينية في ظل إدارة أمريكية هي الأكثر انحيازا ودعما للرؤية الإسرائيلية من جميع الإدارات السابقة. إدارة أدارت الضهر لقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية واستبدلتها بالرؤية الإسرائيلية وشرعت في تطبيقها، فيعد قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها وتماديها في هذا المجال بأن حددت منتصف أيار القادم لفتح السفارة هناك، أي اختارت ذكرى النكبة لتنكأ الجراح الفلسطينية أكثر، اعقبت ذلك بتخفيض التزاماتها المالية تجاه وكالة الغوث الدولية في خطوة نهدف للتخلص من قرار 194 الخاص باللاجئين الفلسطينيين، أضف الى ذلك تبنٍ كامل للموقف الإسرائيلي من الاستيطان. وممارسة الابتزاز السياسي والمالي لجر السلطة مكبلة اليدين الى طاولة مفاوضات عبثية لتوافق على الاملاءات الإسرائيلية والأمريكية.
إن ما تقدم يفرض على الفلسطينيين بكل أطيافهم رؤية الواقع كما هو لتغيير معطياته بتعطيل ما يمكن تعطيله من عوامل الضغط والتصفية والحفاظ على الإنجازات الوطنية وحمايتها والبناء عليها. إن التصدي لمشاريع التصفية التي يجري الاعداد لها على نار حامية تستدعي العمل على الذات الفلسطينية وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني لتصليبها وتوفير مقومات صمود الفلسطينيين فوق أرضهم وإعادة اللحمة للشخصية الوطنية الفلسطينية بعد الانكسار الذي ألم بها عقب توقيع اتفاقيات “أوسلو”.
لعل المدخل لذلك يبدأ بإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، باعتبارها الإنجاز الأهم للفلسطينيين والذي يقف خلف كل الإنجازات الفلسطينية. ورغم ما شاب الممارسة الفلسطينية من أخطاء بل خطايا نحوها مثل المحاولات البائسة لالحاق مؤسساتها بمؤسسات السلطة أو تعطيل مؤسساتها، إلا أنها مازالت تحتفظ بشرعية ثمينة باعتبارها الكيان السياسي الفلسطيني الذي يجمع كافة التجمعات الفلسطينية أينما تواجدت، وتشكل الجبهة الوطنية العريضة للقوى الفلسطينية.
ويعتبر المجلس الوطني السلطة العليا للشعب الفلسطيني، فهو الذي يضع سياسات منظمة التحرير ويرسم برامجها وينتخب مؤسساتها بما فيها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ولقد كانت إحدى مثالب العمل الوطني الفلسطيني تعطيل اجتماعات المجلس الوطني بحجج وذرائع واهية، فقد كان آخر اجتماع له في غزة عام 1996. وكان قد عقد جلسة طارئة في رام الله بمن حضر عام 2009 لاستكمال أعضاء اللجنة التنفيذية.
أكثر من عشرين عاما مضى على آخر جلسة له أدى الى هرم مؤسسات المنظمة وترهل لجنتها التنفيذية، وإن استمرار تعطيله سيقود بالضرورة إلى تآكل منظمة التحرير وتدهور وضعها القانوني. قد يأخذ البعض على عقد جلسة المجلس بتركيبته الحالية مآخذ عديدة، منها غياب حركتي حماس والجهاد عنها، وهذا المأخذ جدير بالاهتمام ولكن الأخطر هو أن نصل لمرحلة تفقد فيها اللجنة التنفيذية نصابها القانوني، وان تترك الأمور حتى تشيخ مؤسسات المنظمة أكثر وتتهاوى بفعل الزمن. إن الخيار المطروح الآن ليس بين أن يعقد المجلس بمشاركة حماس والجهاد أو أن يعقد بتركيبته الحالية. إنما ترك المنظمة ومصيرها للمجهول. في انتظار ما ستسفر عنه حوارات حماس وفتح والتي بينت التجربة أنها تدور في حلقة مفرغة.
إن تجديد مؤسسات المنظمة وضخ دماء الشباب فيها وتفعيل مؤسساتها يمكن أن يعطي زخما للحوار الفلسطيني ويحدث اختراقا جديا في ملف المصالحة كما سيمثل الخطوة الضرورية في مواجهة مشاريع التصفية.
إنعقاد المجلس بتركيبته الحالية ليس أفضل الخيارات ولكنه الخيار الممكن لوضع حد لحالة التهالك ولوضع أسس المواجهة مع مشاريع و “صفقات” التصفية.