لم يعد هناك أي إمكانية للحديث عن "مصالحة وطنية شاملة"، بالمعنى الحقيقي، ووفقا لكل ما سبق الاتفاق عليه "وديا"، او خطيا، فلا فتح (م7) تستطيع ذلك، بحكم ان قرارها مرتبط بشكل كبير بالواقع القائم في الضفة الغربية، او حركة حماس بحكم أنها سلطة أمر واقع في قطاع غزة، الى جانب أن كلا الطرفين لم يجدا في المتفق عليه ما يلبي أهداف أي منهما.
في الضفة الغربية، لن تسمح دولة الكيان بأن تكون حماس شريكا مناسبا في الحكومة فما بالكم بالحكم، بكل مؤسساته السياسية والأمنية، بفروعها المختلفة، أو أن تتحرك علانية ضمن مجلس تشريعي منتخب ومعترف به، وهو ما لن توافق عليه حكومة دولة الكيان، لأسباب مختلفة، ليس خوفا من "مقاومة" تدعيها حماس، بل ربما العكس فوجودها سيكون "جدارا واقيا" كما قطاع غزة، ما قبل المسيرات وما بعدها ضمن تفاهم غير مباشر.
إسرائيل تبحث ترسيخ مشروعها التهويدي، على حساب المشروع الوطني ما يستوجب "تدمير أسس الكيانية الفلسطينية بأي مظهر كانت.
في قطاع غزة، واهم من يعتقد أن حركة حماس تبحث حقا عن "شراكة سياسية كاملة"، او ان بحثها عن المصالحة نابع من رؤية وطنية لتعزيز التمثيل، ولقد كشفت الأيام الأخيرة كم أنها ابعد ما يكون عن البحث عن "تصالح وطني ووحدة فعلية"، فما قامت به من نشاطات واتصالات ورسائل هو الجوهري الذي تريده، ولعلها استغلت "غباء" التحالف العباسي في إدارة ملف التفاوض التصالحي، لتبدو أنها الأكثر حرصا، وهي غير ذلك.
حماس تعلم يقينا، ان المصالحة الشاملة ستنهي كليا سيطرتها المطلقة على القطاع، وستفتح الباب لتشكيلات لن تسمح لها بكل ما كان خلال سنوات الانقلاب، الى جانب أنها تمثل رأس حربة سياسية لـ "تحالف تركي قطري إخواني"، لن يتم السماح لفريق من حماس بالتخلي عنه، وأي ممارسات غير ذلك ستعني كثيرا في داخل الحركة.
كل المؤشرات القائمة تؤكد انتهاء زمن المصالحة، والشقيقة مصر أكثر من يعلم تلك الحقيقة السياسية، فلا قيادة فتح الراهنة ولا واقع حماس الراهن يؤشران لإنهاء الانقسام، والمضي نحو مصالحة تعيد للفلسطيني تمثيله الشرعي الموحد، خاصة وأن أمريكا وإسرائيل يعملان بكل ما لهما من وسائل لاستمرار ذلك، خدمة لمشروعهم المشترك، بعيدا عن مسماه، "صفقة ترامب" أم "مشروع شارون – نتنياهو".
مشروع بدأت ملامحه الأولى تظهر صيف عام 1995 بعد لقاء شارون عباس، حيث وضع أسس فصل قطاع غزة ضمن "كيانية خاصة" مع منح 40 % من الضفة دون القدس، عدا بعض أحياء منها تمثل عبئ بكثافتها السكانية على التهويد فيها، حالة كيانية خاصة، حددها نتنياهو مؤخرا، بأنها أكثر من حكم ذاتي ولكنها بالتأكيد لن تكون دولة.
مشروع يكمل قانون عنصري بـ "يهودية دولة إسرائيل"، بحيث تضم ما يقارب الـ 15 % من الضفة الى جانب القدس الشرقية الى إسرائيل لتصبح جزءا منها، ويتم تقاسم وظيفي – اقتصادي في "منطقة حائرة" في الضفة الغربية، ليست من الحكم الذاتي وليست جزءا من إسرائيل، مع السيادة الأمنية للكيان على الكيان والمنطقة الحائرة.
ولمواجهة المشروع التهويدي، الذي يمثل "نكبة رابعة"، لم يعد الاستخفاف به مجديا، انحسرت كل الخيارات الوطنية لحصار ذلك، في خيار سياسي وحيد لا يملك أمره سوى الرئيس محمود عباس بصفته وموقعه وما يمثل، رئيسا لدولة، وليس رئيسا لسلطة، بأن يتحمل مسؤوليته التاريخية، وقد يكون الأخير، لحماية ما يمكن حمايته من مسار وطني قضية ومشروع، بالعودة الى تنفيذ كل قرارات "المجلسين الوطني والمركزي"، و"تنفيذية المنظمة"، والبداية بإعلان دولة فلسطين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 19 /67 لعام 2012، ومنها تبدأ حركة تنفيذ القرارات الأخرى، سحب الاعتراف المتبادل ووقف التنسيق الأمني، بما يمثلان حجر الزاوية في العلاقة مع إسرائيل.
نعم، تنفيذ ذلك سيكون له ثمن "شخصي" للرئيس عباس ومن معه، وقد يكون له تبعات فورية على بعض جوانب الواقع القائم، لكنه بالتأكيد سيعيد رسم خريطة سياسية جديدة، وسيدفع الكيان الى المربع الأول في العلاقة مع الشعب الفلسطيني، وتحديدا سحب الاعتراف المتبادل، والذي كان جزءا من مساومة لم تكتمل، ولذا سيكون لذلك أثر جوهري في حصار الكيان، عربيا ودوليا، خاصة من استغل ذلك لتبرير العلاقة مع تل أبيب، الى جانب إعادة وضعها في أطار أنها دولة احتلال.
الثمن الشخصي ينتهي بأسرع مما يحسب البعض في إطار المعركة الوطنية الكبرى، فذلك التغيير سيؤدي الى قيام "اصطفاف وطني جديد"، ضمن معادلة " الدولة في مواجهة الاحتلال"، ستكسر كل محاولة للنيل منها، ولن تجرؤ حركة حماس أن تقف موقفا معاديا أو مخالفا لتلك المعادلة الوطنية، وسيفرض عليها تعاملا مع الواقع الجديد.
نعم، التحدي التاريخي بات هو الخيار الأخير الذي يملكه الرئيس عباس، وغيره فـ"نكبة رابعة" قادمة وبأسرع من تفكير البلهاء!
ملاحظة: قناة عبرية كشفت عن "نزاهة حماس المالية" بعد أن أعادت 100 ألف دولار من المال قطري، لكنها وضعت "سما خاصا" بأن تلك النزاهة نتاج شروط التوقيع للحصول عليها...السؤال لمن عادت تلك الدولارات!
تنويه خاص: صمت الفصائل والشخصيات الوطنية على سلوك حماس السياسي الأخير، نقطة سوداء توازي ذات السلوك...الصامت عن الحق شيطان أخرس فما بالك لو كان حقا وطنيا!