بخلاف ما قاله رئيس السلطة الفلسطينية، في اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أن مصر غير مهتمة بموضوع المصالحة؛ استقبلت القاهرة في أسبوع سيناوي حساس وحاسم، تجري فيه عملية شاملة ضد الإرهاب؛ وفداً حمساوياً برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة. وعلى الأرض، كان هناك قبل بدء العملية المصرية، تنسيق أمني مصري فلسطيني، انتشرت بموجبه عناصر أمن من حركة حماس على حدود قطاع غزة، لإحكام السيطرة عليها، لمنع المتطرفين من التسلل الى غزة أو التسلل منها الى سيناء. وسوف تزداد البراهين على أن إسرائيل هي ظهير الإرهابيين الذين يقاتلون الجيش المصري ويقتلون الناس في سيناء، وأن هامش حركتهم ودعمهم اللوجستي إسرائيلي في جوهره، ويتغطى بكلام عبري لذر الرماد في العيون!
كان يتوجب منذ أمد بعيد، العمل وفق هذه الحقيقة، على الجانبين المصري والفلسطيني الحمساوي. وقد رَشح أن الوفد الحمساوي،الذي أدرك تماماً أن محنة غزة وصلت الى ذروتها؛ قد حمل معه ملف إنهاء المحنة في مرحلة ما بعد القضاء على الإرهاب في سيناء. وفي هذا الإطار، أبلغت حماس الجانب المصري، أنها منفتحة تماماً على المصالحة التي تعني تعديل بوصلة الحكم الفلسطيني، وبدء مرحلة انتقالية، يستعيد بعدها الشعب الفلسطيني حقه في اختيار من يحكمون على أسس دستورية وقانونية، وعلى قاعدة الفصل بين السلطات، وتفعيل القضاء نطقاً عادلاً وإنفاذا لأحكامه!
لكن هذا المتطلب الجوهري للمصالحة، لا زال بعيداً عن قناعات سلطة عباس، ما يجعل السجال، في حقيقته، ليس بين فتح وحماس، وإنما بين السلطة في رام الله وحكم حماس في غزة. وفي حال استمرار هذا السجال، والتلاعب في موضوع المصالحة؛ تستمر محنة غزة التي بلغت ذروتها!
وعلى الرغم من وصول المحنة الى مداها الذي انعكس يأساً لدى مجمل الأوساط الاجتماعية والاقتصادية والفصائل والمجتمع المدني؛ فلا زال السجال يحافظ على سياقه، بطريقة الجدال حول أيهما أسبق: البيضة أم الدجاجة. الجباية حصرياً لسلطة رام الله، أم الحقوق الطبيعية لسكان غزة من المال الذي يُجبى سواء من خلال المقاصة أو الجباية التي تتحصل عليها رام الله من السكان. وفي هذا الخضم، دخل العدو على الخط، ليزعم بلسان أكثر وزراء حكومة نتنياهو تطرفاً أن إسرائيل معنية بالتخفيف عن غزة وإغاثتها، بل وتحدث عن خطة للتنفيذ، إمعاناً في تنصل العدو من دوره الأساسي في صنع المحنة. وكانت رؤية الاحتلال، هي نفسها رؤية آخرين وإن كان من منطلقات مغايرة. المشترك الوحيد بين كل الرؤى، هو الحرص على تحاشي انفجار غزة، خلق المناخ المواتي للمتطرفين، لكي يستوطنوا فيها أو يخرجون منها!
الجانب المصري، أعياه تكرار التأكيد على أن أوضاع غزة، تمثل بالنسبة له مسألة موصولة بأمن مصر القومي. وعلى هذا الأساس، توصلت مصر الى تفاهمات تفصيلية مع حماس، وضمنت ألا يكون هناك أي خطر من جانبها، لكنها لا تزال تسعى لئلا يكون هناك أي خطر من غزة نفسها، لأن هذه المنطقة المكتظة، في حال انفجارها، ستطفح الى خارج رقعتها الضيقة، عندما تبلغ مصاعب العيش مداها، ليرتسم مشهد مأساوي مرعب، يتفرع الى أزمات خانقة لا تحتملها كل الأطراف، بتداعياتها الإقليمية والدولية!
عباس في رام الله، لا زال يتوهم أنه آمن، لذا لا يتحسس خطراً كهذا، وهو ماضٍ في إقصاء غزة بكل سكانها، ويطالب بالجباية الشاملة الكاملة في غزة، قبل أن يتراجع عن جزء صغير من تدابير حرمانها من كل شيء.
لقد باتت المصالحة موضوعاً سياسياً إقليمياً ودولياً في انعكاساته وتوقعاته. هامش الحركة أمام عباس ضيّق. والمصريون معنيون بانفراجة لغزة آمنة ومأمون جانبها، وهذه هي محصلة قراءاتهم الاستراتيجية التي يعطل تحويلها الى سياسات وإجراءات، العناد في مسألة المصالحة، والإرهاب في سيناء، والدور الإسرائيلي الذي يحض على استمرار الحصار.