الكوفية:علماً بأن قضية العدالة الاجتماعية لا تتجزأ على صعيدي حقوق الناس ومناطق سُكناها؛ فإن شرائح الطبقة الفلسطينية العاملة، هبّت للاعتراض على قانون الضمان الاجتماعي الذي أعد على مستوى خلية من متربحي المرحلة، دون أن ينفتح هذا القانون، على نقاش يشارك فيه ممثلو أصحاب الصلة بالموضوع، فرآه المعنيون الكادحون، من أسوأ ما صدر من قوانين، وقالوا إنه "قانون كارثي"!
جاءت بعض بنود قانون الضمان الاجتماعي، الذي مكث لعامين في أدراج "المقاطعة" مستفزاً ومجافياً لحاجات الفئات المهمشة. وبعبارات ستكون مفهمومة، دلت فلسفة الصياغة، في أحد بنوده، على إنكار معدي القانون لحق المُبتلى بالعجز، أو الذي أدركه الموت فجأة، في أن يحيا الأول بكرامة وأن يرث أولاد الثاني ما يعوضهم عن فقدان رب الأسرة. فلا الدولة تحمي المتضررين، ولا مسؤولية للسلطة عن كرامة رعاياها. وفي هذا البند المثال، تتجسد الفلسفة نفسها التي اتبعتها سلطة محمود عباس في غزة، حيال الأفراد من منتسبي الوظيفة المدنية العامة أو الوظائف العسكرية والأمنية.
في البند الذي يؤخذ مثالاً، لتحاشي الإطالة؛ ترتسم محاولة لتشريع التجاوز عن الحق الإنساني للعامل الذي يصاب بالعجز أو يدركه الموت الفجائي، مع تشريع سرقة مدخراته. فمن يدفع اشتراكه وينوي الاستمرار في الدفع حتى سن التقاعد، لكنه يموت أو يعجز قبل أن يُكمل أربعة وعشرين شهراً في دفع الإشتراكات؛ لا حق لورثته من القاصرين في راتب تقاعدي، ولا ينبغي لأهله حتى استعادة ما دفع، حتى لو كان المرحوم قد دفع ثلاثة وعشرين شهراً. فلن يكون لقانون عباس للضمان الاجتماعي علاقة به، ولا للسلطة تالياً أية علاقة. كذلك الأمر بالنسبة لمن أدركه العجز وهو عامل فقير. أما الإنسان المُعدم، الذي تتوفى زوجته العاملة التي دفعت اشتراكاتها لأكثر من 24 شهراً، فإن المدخرات التقاعدية لزوجته، ستكون كلها مسروقة كلها وفق قانون عباس، ولا يحق للزوج والأسرة الاستفادة من معاش تقاعدي إلا أن يثبت الزوج عجزه. ووفق بند آخر، يتعين على صندوق الضمان الاجتماعي العباسي، أن يستلب راتب أحد الزوجين، إن كان كلاهما يعمل ويدفع اشتراكاته، إذ ينص القانون على دفع راتب تقاعدي لأحد الزوجين، على أساس أعلاهما راتباً، وليس كلاهما، علماً بأن الدين الإسلامي يفصل بين ذمتيهما المالية. وتؤول اشتراكات الزوج والزوجة الأقل راتباً لصندوق عباس للضمان الاجتماعي.
هذا القانون، أعد في الظلام ووقعه عباس دونما تمحيص من أية مؤسسة دستورية، وكان صاحب القلم، بعد أربعة أيام من إمضاء القانون، قد أعطى علماً لعزام الأحمد، الذي من بين صفاته الكثيرة كعبقري في زمن رديىء، أنه "رئيس كتلة فتح البرلمانية" رغم ابتعاد أكثر من نصف عدد نواب فتح في المجلس التشريعي عنه وعن سياقاته كلها. وكان عزام، بعد الإمضاء، قد أطلق تصريحاً للاستهلاك المحلي ولذر الرماد في العيون، قال فيه إن "هناك محاولات مقصودة لتغييب المجلس التشريعي عن إقرار هذا القانون". ولم يقل من هو الطرف الذي يقوم بهذه المحاولات، واليوم هو يبتلع لسانه ولا يُشاهد ضمن المحتجين على البدء بسريان القانون دون مناقشته وتغيير بعض البنود المجحفة!
اللافت أن العاطلين عن العمل، الذين يحاولون إيجاد فرص فلا يجدونها، ثم إن وجدوها يشترط عليهم أرباب العمل واصحاب المشاغل، أن يعملوا جزئياً أي أقل من 16 يوماً في الشهر، يجدون أنفسهم في دائرة العدم، إذ لا ضمانات لشيخوختهم أو لأطفالهم بعد موتهم، ولا يسري عليهم اي قانون للضمان الاجتماعي، بذريعة أن هؤلاء الاشقياء لم يكونوا يتلقون أجورهم عبر البنوك، وأن أجورهم تقل عن الحد الأدنى للأجور وهو 1450 شيقل، علماً بأن هؤلاء لم يجدوا سوى العمل الجزئي الذي عرض عليهم عمداً، للاستفادة من البطالة بزيادة نوبات العمل تهرباً من التزامات الضمان. وهؤلاء عملوا في قطاع الخدمات والمناولة وورش الخياطة وغيرها وفي خدمات الحضانة وباعة بالمفرق. فقد أريد لهؤلاء أن تكون أعمالهم غير رسمية، ويستأنس الذين أداروا الدفة لصالحهم، مستفيدين من المزاج السائد في أوساط السلطة، الذي يلائم رجال الأعمال والمتمولين وقناصي العمولات. ومن نافل القول، أن كل من أتيح له احتكاك بعمال البناء والسباكين الذين عملوا في مدينة "روابي" سمع شكوى أولئك الكادحين من جزئية العمل ومن تدني الأجور، ومن لؤم القائمين على العمل من مقاولي الباطن والشريحة الفاسدة.
حراك الفئات العمالية يمثل صرخة في وجه سلطة تنفيذية ضالة، تتولى مهام سلطة التشريع المغيّبة، بذريعة حماس في غزة، علماً بأن سيطرة حماس على غزة هو الذي يلائمها ويتيح لها التفرد بالتشريع والتنفيذ والجهاز القضائي، حتى بات التمكين للإرادة الشعبية يمثل كابوساً بالنسبة لها!