د. محمد السعيد إدريس
الكوفية:الصواريخ التى استهدفت «المنطقة الخضراء» فى العاصمة العراقية بغداد وفي القلب منها «السفارة الأمريكية» شديدة التحصين مساء الأحد الفائت (20-12-2020) أثارت من الأسئلة الصعبة أكثر مما حققته من إصابات في الأرواح أو الخسائر المادية لأسباب كثيرة، أبرزها بالطبع ما يمكن اعتباره «سباق الزمن» بين طرف إيراني يريد باستماتة كسب الوقت لانتهاء ولاية الرئيس دونالد ترامب بسلام من دون تمكين هذه الإدارة من أية ذريعة أو مبرر لشن هجوم يستهدف تدمير قدرات إيران النووية والصاروخية، وطرف آخر أمريكي تمثله إدارة الرئيس ترامب شديدة العداء لإيران، وتخشى أن تأتي الإدارة الأمريكية الجديدة، للرئيس المنتخب جو بايدن، لتفسد كل ما قامت به ضد إيران وعلى الأخص الانسحاب من الاتفاق النووي.
هناك أسباب أخرى، منها اقتراب موعد مرور عام على حادث اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس ورفيقه أبو مهدى المهندس نائب قائد «الحشد الشعبي» يوم الثالث من يناير/ كانون الثاني عام 2020. اقتراب هذا الموعد يثير تحفزاً واستعداداً أمريكياً تحسباً لانتقام إيراني قوي ضد المصالح الأمريكية، ليس فقط لهذا الاغتيال؛ بل وأيضاً لاغتيال العالم النووي محسن فخري زاده، وهو الانتقام المؤجل لحين تأتى الفرص المناسبة.
أجواء الحذر من اقتراب موعد الانتقام الإيراني تتفاقم مع معلومات تتوافر حول تفاهمات بين إدارة جو بايدن الجديدة وإيران تدعمها تفاهمات بين رفقاء الولايات المتحدة في الاتفاق النووي (روسيا والصين وألمانيا وفرنسا وبريطانيا) تصب كلها في نزع فتيل أي تعثر قد يحدث بين الإدارة الأمريكية الجديدة وإيران، كما تؤكد حرص هذه الأطراف بما فيها إيران وإدارة بايدن على المحافظة على الالتزام المتبادل بالاتفاق النووي.
هذه التفاهمات ترفضها إدارة ترامب، التي يبدو أنها تعمل في الاتجاه المعاكس لإحباط هذه التفاهمات وربما لما هو أكثر من ذلك، أي وجود نية، عبّر عنها صراحة الرئيس ترامب، بشن هجوم قوي يدمر القدرات النووية لإيران، وليس هناك في الأفق ما يؤكد تراجعه عن هذه النية، وربما يكون العكس هو الصحيح، ولذلك سارعت إيران ليس فقط بنفي أي علاقة لها بتلك الصواريخ، ولكنها كانت حريصة أيضاً على أمرين أولهما: إدانة هذا الهجوم، وثانيهما إعلان الريبة من التصريحات الأمريكية بهذا الخصوص.
وعلى الرغم من أن هذه الصواريخ لم تحدث أية أضرار بشرية، وأصابت عدداً محدوداً من المباني السكنية القريبة من مقر السفارة حسب بيان أصدره الجيش العراقي، ورغم أن هذا البيان لم يحدد اسم أية جهة تتحمل مسؤولية هذا الهجوم، واكتفى فقط بالقول إن «جماعة خارجة عن القانون» أطلقت صواريخ صوب المنطقة الخضراء، إلا أن وزارة الخارجية الأمريكية سارعت إلى إدانة الهجوم، وحددت أن من قاموا به هم «ميليشيات مدعومة من إيران»، واعتبرت أن هذه الميليشيات «هي العائق الأكبر أمام مساعدة العراق للعودة إلى السلام والازدهار». كما نشر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تغريدة عبر «تويتر» قال فيها إن «على هؤلاء المجرمين والفاسدين أن يوقفوا نشاطاتهم المزعزعة للاستقرار».
هذه السرعة الأمريكية في التنديد وهذا الحرص على تحميل «ميليشيات موالية لإيران» مسؤولية الهجوم أثار حفيظة إيران، وطرح تساؤلات تتعلق بخلفيات الهجوم وخلفيات الموقف الأمريكي. عبّر عن ذلك التشكك الناطق بلسان وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده في مؤتمر صحفي قال فيه إن «طبيعة وتوقيت الهجوم، إضافة إلى تصريحات وزير الخارجية الأمريكي تثير الشكوك بشكل كبير»، وأضاف «يبدو أنهم أعدوا هذه التصريحات بشكل مسبق».
هذا الحرص الإيراني الرسمي على التبرؤ من مسؤولية هذا الهجوم، للحيلولة دون تمكين الإدارة الأمريكية من امتلاك «ذريعة» للاعتداء على إيران دعمته أطراف عراقية موالية لإيران أو على الأقل حليفة لها أبرزها ما يُعرف باسم «كتائب حزب الله العراقي» التي اعتبرت أن «قصف سفارة الشر في هذا التوقيت يعد تصرفاً غير منضبط.. وعلى الجهات المختصة متابعة الفاعلين وإلقاء القبض عليهم»، كما دان مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري هذا الهجوم، ودعا إلى إعلان حالة الطوارئ في بغداد والاستعانة بالجيش العراقي حصراً لحماية المدنيين والبعثات الدبلوماسية.
لكن يبقى السؤال، هل يكفي تبرؤ طهران من هذا الهجوم على السفارة الأمريكية لإبعاد شبح تعرضها لهجوم أمريكي محتمل ؟
السؤال مهم في ظل وجود مخاوف من وقف وزارة الدفاع الأمريكية التعاون مع فريق بايدن الانتقالي لمدة أسبوعين دون مبررات مقنعة. مخاوف دعمتها صحيفة «نيويورك تايمز» بأن «مسؤولين بالبنتاجون لا يستبعدون شن ترامب عمليات ضد إيران أو خصوم آخرين فى أيامه الأخيرة بالسلطة».
"الخليج"