الحرج والاكتئاب في كتلة الوسط – يسار بسبب غياب القيادة وغياب رواية مثيرة في أعقاب تفكك بديل ازرق ابيض وتعزز كتلة اليمين في الاستطلاعات، تنتج النقاشات العادية حول التعيينات في المناصب، ومن الذي سيتم تتويجه منهم وفي أي ترتيب: آيزنكوت، خولدائي، لفني وربما مرة اخرى باراك؟ هذا رد طبيعي إزاء مشهد انتقال المقاعد الى اليمين، الى نفتالي بينيت، في الوقت الذي يفحصون فيه بترو ويدرسون ويناقشون حول ما الذي سيفعلونه.
إن الجلوس على الجدار يعطي الشعور بأن الناخبين يهربون، واذا تم تبكير موعد الانتخابات فستكون هنا هزيمة قاتلة ستدفن أحلام الوسط – يسار لسنوات كثيرة. ولكن لنترك جانبا مظاهر اليأس ونرى ما هي الساحات التي يوجد فيها للوسط – يسار شيء مختلف ليعرضه، أو العكس، ما هي الساحات التي فيها سياسة اليمين تخيف حقا هذه الكتلة.
المتهم الرئيسي هو المجال السياسي. هل حكومة اليمين اليمينية جداً، مع بينيت قوي ومعادل في قيمته لنتنياهو، يمكن أن تعيد فكرة ضم المستوطنات؟ حسناً، اتفاقات السلام والتطبيع مع اتحاد الإمارات ومع البحرين دفنت فكرة الضم لبضع سنوات أخرى. إذا لم يحدث هذا في عهد ادارة ترامب فهو بالتأكيد لن يحدث في عهد جو بايدن. وهذا لا يعني بأنه لن تكون هناك احتكاكات سياسية وتوترات أمنية، لكن في الجوهر، لا يوجد في الحقيقة فرق بين بنيامين نتنياهو وبني غانتس وغابي اشكنازي ويئير لبيد في هذا المجال. نتنياهو يحتضن اليمين الاستيطاني بالاقوال – خصومه لا يفعلون ذلك، لكنهم أيضاً لا يعرضون أي شيء مختلف. هكذا أيضا في موضوع أيران؛ الإجماع حول هذا الامر مطلق (يا ليت لدينا إجماع مثل هذا في عدة مجالات اخرى).
في المجال الاقتصادي – الاجتماعي، يمينا (بينيت) يقترح اتجاهاً ليبرالياً جديداً، على الأقل بلغته، كما فعل نتنياهو ذات يوم. ولكن تجربة نتنياهو السياسية بعد هزيمته في انتخابات 2006 جعلته يتبنى خطاً توفيقياً وبراغماتياً. وطريقته في الحفاظ على الائتلافات منذ انتخابه في 2009 كانت في تبني أفكار مثل رفع أجر الحد الأدنى وعلاج الإسنان بالمجان حتى سن 18 سنة وضريبة دخل سلبية، وسعر لكل راكب وزيادة مخصصات طلاب المدارس الدينية، والامتناع عن فرض ضريبة القيمة المضافة على الفواكه والخضراوات. وهو لم يبادر إلى هذه الأفكار، لكنه سار معها من اجل أن يحكم. في أزمة الكورونا ذهب نتنياهو خطوتين الى الامام، مع نشر شبكات حماية اجتماعية مثل بدل البطالة لسنة ونصف وتأجيل سداد قروض السكن وإعطاء منح وقروض للمشاريع التجارية. ايضا ذهب خطوة واحدة اكثر من اللازم، دفع المنح لكل مواطن. لليسار الاجتماعي لا يمكن أن تكون هناك ادعاءات بشأن السياسة الاجتماعية للحكومة في معالجة أزمة الكورونا، في هذه الأثناء على الاقل.
حصلنا في المجال السياسي والاجتماعي على نتنياهو براغماتي وليس على شخص عقائدي. وقد كان سيختار هذه الحلول حتى لو كانت لدينا حكومة يمين حقيقية. مقاربته مرتبطة بدرجة كبيرة بثمن الاختيار العكسي: الضم في فترة «الكورونا» كان سيزيد من شدة الأزمة، وسياسة اقتصادية لا توجد فيها شبكات حماية للمتضررين من الأزمة كانت ستسقطه في الاستطلاعات وفي صناديق الاقتراع.
هذا سيبقينا مع الساحات التي فيها الخلافات بين اليمين والوسط – يسار هي أشد: الساحة الديمقراطية والساحة القضائية.
وضع نتنياهو القانوني يقف في مركز هذه الخلافات. بينيت واصدقاؤه يكثرون من التفاخر والقول بأنهم «ذوي قيم»، لكنهم لم يثبتوا بعد بأنهم يهتمون بشكل خاص بمحاربة الفساد. هم يعارضون حراس عتبة اقوياء ويفضلون أن يكون المستشارون القضائيون في وزارات الحكومة قد تم تعيينهم سياسياً وأن يكونوا خاضعين بحيث «يدفعون قدماً بسياسة الوزير»، وأن لا يكونوا مهتمين بالمصالح العامة. وهناك خوف كبير من أن يسيروا مع قوانين الحصانة بشتى أنواعها لنتنياهو. «أزرق أبيض» لم يفعل الكثير في الحكومة الحالية، لكن سيطرته على وزارة العدل على الأقل، أوقفت تحول هذه الوزارة لذراع لخدمة نتنياهو وصراعه القضائي. الخطر الحقيقي لحكومة يمينية هو في هذه الساحة.
عن «هآرتس»