أرسل لي محمود صديقي الغزاوي المقيم في بروكسل، والذي إلتقيته في منطقة أتيكا اليونانية، رسالة يطلب تفسيرًا لإصرار المسئولين الأتراك ووسائل الإعلام التابعة لأردوغان على أن القائد محمد دحلان “أبو فادي” هو مهندس معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية التي أعلنها الرئيس ترامب في 13 أغسطس الماضي، فقلت له: إن “التناقض” و “الوجوه المتعددة” هي الوصف الدقيق لسلوكيات وتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه المسمى بالعدالة والتنمية، فبالرغم من أن تركيا هي أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل في مارس عام 1949 أي بعد شهور فقط من قيام إسرائيل ، وقبل 71 عامًا من الإتفاقية الإمارتية الإسرائيلية، وقبل 42 عاما من توقيع إتفاقية كامب ديفيد 1978، ورغم كل ذلك يتهم أردوغان وخلاياه العثمانية القائد البارز والناجح محمد دحلان بالوقوف وراء المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية. وأكدت لمحمود على أن الهدف من هذه الاتهامات التركية هو “التعمية والتغطية” على العلاقات الخاصة بين أردوغان وإسرائيل، فكيف كشفت الوثائق والصور أن أردوغان هو أول زعيم في العالم يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟.. وكيف شكل الدعم الأردوغاني لإسرائيل أكبر سند لإسرائيل قبل وبعد قيام الدولة العبرية؟
أردوغان يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل
شعر محمود بالصدمة عندما قلت له إن أردوغان فعليًا هو أول رئيس في العالم يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل قبل الرئيس ترامب، وشرحت له ذلك بالقول: إن الرئيس الإسلامي الوحيد الذى إلتقى بمسئولين إسرائيليين في القدس هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فبالرغم من إتفاقية السلام المصرية مع إسرائيل عام 1979، واتفاق “وادي عربة” عام 1994 بين إسرائيل والأردن لم يلتق أي رئيس مصري أو ملك أردني بمسئولين إسرائيليين في القدس، وهو تمسك كامل من القاهرة وعمان بحل الدولتين، وضرورة قيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لكن أردوغان هو أول من كسر هذه القاعدة عندما إلتقى في القدس بكل رؤساء الوزراء الإسرائيليين منذ وصوله للحكم عام 2002 ، فالرئيس التركي إلتقى بالسفاح أرئيل شارون أكثر من مرة، كما إلتقى بالثعلب شمعون بيريز في فندق داود في القدس، ويكفي لأى قارىء أن يبحث في جوجل عن صور لقاء أردوغان بشمعون بيريز، وسيشاهد في خلفية الصورة إسم فندق داود الشهير ومكتوبًا عليها “فندق داود في القدس”، وهذه الصور منشورة ومتاحة للجميع وليست أسرارًا، كما إلتقى أردوغان بالرئيس الإسرائيلي الحالي ورئيس الوزراء الحالي بنيامين نتياهو، ناهيك عن عدد كبير جدًا من اللقاءات وبالصور مع إيهود ألمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، ولم يكتف أردوغان بهذا الاعتراف الضمني والعلني بالقدس عاصمة لإسرائيل، فمن يراجع الاتفاق الموقع بين تركيا وإسرائيل بعد مسرحية سفينة مرمرة يتأكد أن الاتفاق تم توقيعه في القدس، وبحسب نص الوثيقة التي نشرتها الكثير من الصحف التركية فإن آخر سطرين في الوثيقة يقولان إن هذا الاتفاق تم توقيعه في القدس، واليوم أي قارىء أيضاً يستطيع أن يجد هذه الوثيقة، فلم تعد من الأسرار الأردوغانية الإسرائيلية بعد أن تم نشرها عشرات المرات، كما أن سكان القدس على علم كامل بالأنشطة التركية التي تتم في القدس، فمثلاً الأسبوع الثقافي التركي تتم فاعلياته سنوياً في القدس وليس في تل أبيب، ولا يمر شهر إلا ويقوم وزير تركي بزيارة القدس بعقد شراكات عسكرية وأمنية وإقتصادية وثقافية مع إسرائيل، ويكفي لتأكيد العلاقات الحميمية اليوم بين إسرائيل وأردوغان أن هيئة الطيران المدني الإسرائيلي أعلنت في نهاية 2018 أن الخطوط الجوية التركية هي أكبر ناقل جوي من وإلى إسرائيل بعد شركة العال الإسرائيلية
إختطاف الوعي العربي
سألني محمود: لماذا يبدو من الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي أن تركيا تقف بجوار فلسطين رغم هذه الحقائق الدامغة على دعمها لإسرائيل؟.. قلت له: للأسف هناك إختطاف للوعي العربي، وتزوير للحقائق، ورسم “صور نمطية” غير حقيقة، فتركيا ومعها التنظيمات المتطرفة في المنطقة العربية تسعى منذ فترة لتشويه صورة “أبو فادي” رغم مواقفه الصريحة والشجاعة. وأشرت لمحمود أن يقرأ بيان تيار الإصلاح ليتأكد أن كل ما تدعيه تركيا على القائد محمد دحلان غير حقيقي، لكن علينا في المقابل كشف الحقائق للرأى العام العربي، خاصة الاتفاقيات العسكرية بين إسرائيل وتركيا التي تتيح تدريب الطيارين الإسرائيليين على قصف غزة في صحراء الأناضول والرماية بالذخيرة الحية في قاعدة قونية، وفي الوقت الذي يعمل فيه قائد بارز مثل “أبو فادي” على قيام دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967، ويدين ليلًا ونهارًا بناء المستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية، نجد أردوغان ووفق تقرير لجهاز الإحصاء التركي نفسه في عام 2019 أكد أن 45 % من الحديد، و65 % من الأسمنت الذي تستورده إسرائيل جاء من تركيا، خاصة في الفترة من 2003 وحتى 2019.. وهي فترة حكم أردوغان.