د. أيمن سمير
الكوفية:طوال التاريخ الأمريكي ورغم كثرة المترشحات لم تصل إمرأة لا بيضاء أو ملونة للبيت الأبيض، سواء على منصب الرئيس أو على منصب النائب، لكن المرشح الديمقراطي جو بايدن أقبل على مغامرة سياسية غير محسوبة باختياره غريمته التي فضحت عنصريته خلال المناظرات التمهيدية، كنائبة له، وهو ما يطرح سلسلة من الأسئلة حول الأسباب الحقيقة لاختيار هاريس رغم وجود شخصيات نسائية أقوى منها بكثير، مثل ميشيل أوباما زوجة الرئيس السابق باراك أوباما التي تجاوزت شعبيتها شعبية المرشحة السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون؟.. فهل للأمر علاقة بما يسمى بالجناح اليساري في الحزب الديمقراطي؟.. وما حقيقة أن الاختيار جاء من البداية والنهاية للإيحاء بعزم جو بايدن الوقوف بجانب السود والملونيين ضد تجاوزات الشرطة الأمريكية؟.
نفاق مكشوف
رغم محاولات الحزب الديمقراطي الإيحاء بأن اختيار كامالاهايس المولودة لأب من جاميكا وأم هندية جاء كنوع من الإمتنان لدور السود والملونيين في الحضارة الأمريكية، ورغم الدعاية الضخمة التي رافقت الإعلان عن إختيار هاريس، إلا أن قطاعات جماهيرة واسعة من الحزب الديمقراطي، بمن فيهم السود والملونيين أنفسهم إعتبروا إختيارها نوعًا من “النفاق المكشوف” و”المتاجرة العلنية” بقضايا السود الذين أكدوا أن الانتهاكات الجسيمة بحق السود من جانب الشرطة التي وقعت في عهد أول رئيس أسود هو باراك أوباما كانت الأكثر إيذاء للسود، وهو ما دفعهم لمظاهرات عارمة عامي 2008 و2013 ، الأمر الذي يؤكد أن كامالا هاريس لن تساعد بايدن، بل قد تكون المسمار الأخير في نعش المرشح الديمقراطي، لعدة أسباب، وهي :
أولاً: إختيار هاريس جاء فقط من أجل إرضاء الشباب والجناح اليساري الغاضب من تصرفات مؤسسة الحزب الديمقراطي التي تواطأت مع هيلاري كلنتون في عام 2016 ضد ممثل الجناح اليساري بيرني ساندرز، وهو ما أضعف حماس الشباب، وهذا الجناح المهم في الحزب الديمقراطي، وعدم الذهاب لصناديق الانتخابات في نوفمبر 2016، وهذا هو جوهر القضية المعروفة بـ “التدخل الروسي” في الانتخابات الأمريكية السابقة، فرغم أن الفائز الحقيقي بترشيح الحزب الديمقراطي عام 2016 كان بيرني ساندرز، إختار الحزب هيلاري كلينتون، وعندما كشفته وسائل الإعلام الروسية في ذلك الوقت أصيب أنصار بيرني ساندرز بالإحباط، وفاز ترامب في النهاية. نفس السيناريو تكرر هذا العام عندما فاز بيرني ساندرز في الانتخابات التمهيدية، وكان بايدن متعثرًا للغاية في البداية، خاصة في ولاية أيوا، لكن تدخل الحزب الديمقراطي دفع من جديد ساندرز الذي يمثل الجناح اليساري خارج السباق، ولهذا يحاول الحزب الديمقراطي إشعال حماس هذا الجناح الذي بات الأكبر في الحزب للفوز في الانتخابات القادمة من خلال إختيار كامالا هاريس، لكن كل إستطلاعات الرأى أثبتت أن اختيار هاريس لم يرض الجناح اليساري أو السود والملونين.
ثانيًا: لا يوجد أدنى درجة من الإنسجام بين بايدن وهاريس، وأداء هاريس العنيف في المناظرات يتنافي تماما مع أسلوب بايدن “النائم”، كما أن بايدن ينتمي لمنطقة الوسط في الحزب الديمقراطي، وهو ما سيخلق صدامًا وخلافًا مع سيدة معروف عنها أنها شديدة التطرف لليسار، فهي مثلًا تريد فرض تريليونات الضرائب على رجال الأعمال والشركات العملاقة، وكذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يهدد بفقدان الحزب الديمقراطي قاعدة المتبرعين من رجال الأعمال، وهذا المنحى يرفضه بايدن تمامًا الذي يحاول الانتقال قليلًا من مربع الوسط في الحزب الديمقراطي نحو اليمين حتى يكسب بعض أصوات الجمهوريين المعتدلين، وهو أمر هام لكسب الانتخابات على المستوى الوطني، لكن إختيار هاريس قضى على هذه الفكرة تمامًا، لأنه لا يمكن لأي جمهوري أن يختار رئيس نائبته كامالا هاريس.
ثالثاً: بالإضافة إلى عدم رضا السود والملونين في الحزب الديمقراطي عن إختيار هاريس هناك بعض الإستطلاعات، خاصة في الولايات المتأرجحة، قالت أن إختيار هاريس حفز النساء البيض اللاتي كن يمكن أن تصوتن لبايدن للعودة مرة أخري والتصويت لترامب ونائبه المحافظ مايك بنس، وهؤلاء إعتبرن اختيار هاريس نوعًا من الاستقطاب ضد النساء البيض، خاصة بعد رفض الحزب الديمقراطي إختيار إليزابيث وارين، وهي بيضاء تنتمي أيضًا للجناح اليساري، وكان أداؤها قويًا في الانتخابات التمهيدية للحزب.
رابعًا: إختيار بايدن لهاريس جعله يخسر على منصات التواصل الاجتماعي عندما طرح السؤال: من هو الرئيس الذي تحتاجه الولايات المتحدة بعد جائحة كورونا وخسارة الولايات المتحدة لـ30 % من إقتصادها؟.. فالسيدة هاريس وفق غالبية آراء الاقتصاديين الأمريكيين ستعمل دون أن تدري على مزيد من الانكماش الاقتصادي من خلال فرض الضرائب الجديدة على الشركات، وتوزيع هذه الأموال على ما يطلق عليهم “الكسالى”، بينما يعتقد الكثيريون أن الإقتصاد الأمريكي يحتاج خلق وظائف وتسريع وتيرة الإنتاج والتصدير ، وهو ما سيؤدي في النهاية لتوفير فرص العمل وتحسين حياة الأمريكيين، لكن “الجانب الشعبوي” في شخصية هاريس يريد أخذ مزيد من الأموال من ممولي الضرائب وتوزيعها مباشرة على الأمريكيين، وهو ما سيعمق أزمة الاقتصاد الأمريكي، ودفع هذا الأمر بعض الذين كانوا يؤيدون بايدن في الأسابيع الأخيرة للتراجع عن دعمه.
خامسًا: أكثر الأسباب غرابة في إختيار هاريس كنائبة لبايدن هو أنها كانت أكثر السيدات فشلاً في الانتخابات التمهيدية، فهى لم تحصل إلا على 2% على المستوى الوطني للحزب، كما أنها في ولايتها، ولاية كالفورنيا، لم تستطع أن تقنع أبناء ولايتها في الانتخابات التمهيدية، وخسرت خسارة مروعة، بل أن أداءها وسط السود والملونيين في الولايات الجنوبية يمكن وصفه بأن كان نموذجًا للفشل، وهذا يذكر الديمقراطيين الراغبيين في العودة للبيت الأبيض بأن سيناريو هاريس لا يختلف عن سيناريو السناتور “تيم كين” الذي إختارته هيلاري كلينتون ليؤمن لها الفوز في ولايته، ولاية فيرجينا، لكنها في النهاية خسرت الولاية التي ينتمي لها نائبها، ورغم أن ولاية كالفورنيا وهي الأكبر في التمثيل بالمجمع الإنتخابي بـ55 صوتًا، لكن كل المؤشرات تقول إن هاريس ليست هي الشخصية المناسبة لحشد ناخبي الولاية خلف بايدن، وحتى لو فاز بايدن بولاية كالفورنيا سيكون لأن الولاية بطبيعتها ديمقراطية، وليس بسبب إنتماء هاريس لها.
سادسًا: الشىء الوحيد الذي نجحت فيه هاريس هو أنها الوحيدة التي كشفت أن جو بايدن كان عنصريًا ويكره السود والملونيين عندما رفض في السبعينات فكرة الحافلات المشتركة التي تضم الطلاب والبيض والسود معًا، وهو ما أكد للجميع أن اختيار بايدن لهاريس كان نوعًا من النفاق السياسي، وليس قناعة حقيقية بالعدالة والمساواة، لأن تاريخه ممتلىء بالعنصرية، وكل ذلك يطرح السؤال: هل ستساعد هاريس بايدن؟ أم ستكون عبءًا عليه؟.
الغد العربي