نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإمتياز في تحويل تركيا من دولة “صفر أعداء” إلى دولة تعادي الجميع “صفر أصدقاء” فالخلافات التركية مع الجميع، مع سوريا والعراق وروسيا وليبيا واليونان وقبرص والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، بل مع الولايات المتحدة والصين أيضًا، ناهيك عن الخلافات مع باقي الدول العربية والتدخلات في أفريقيا ودول آسيا الوسطى، لكن الخلافات مع فرنسا أخذت طابعًا مختلفًا خلال الأيام الماضية، ويتوقع لها التصعيد خلال إجتماع خاص للاتحاد الأوروبي بطلب من فرنسا، والهدف منه فرض عقوبات على تركيا بسبب سلوكها المزعزع للاستقرار في شرق البحر الأبيض المتوسط، والتأثير على الأمن القومي الأوروبي، فما هي الملفات الخلافية بين فرنسا وتركيا؟.. وكيف تستفيد الدول العربية والأوروبية من الإصطفاف الفرنسي ضد أوهام أردوغان؟.. وما هي حدود التصعيد الذي يمكن أن تصل إليه الخلافات بين أنقرة وباريس؟.
عسكرة الخلافات
أكثر المخاطر التي تراها فرنسا في السلوك التركي هو “عسكرة الخلافات”، فالخلاف القطري مع الرباعي العربي بدأ كخلاف دبلوماسي أمني، لكن دخول تركيا على خط الأزمة وبناء قاعدتين عسكريتين في قطر أدخل العامل العسكري في الصراع، كما أن تركيا أنشأت 12 قاعدة عسكرية شمال العراق، أكبرها “معسكر بعشيقة” بعمق 130 كيلومترا جنوب الحدود التركية، ونفس السيناريو في شمال وشمال شرق سوريا، كما ظهرت “العسكرة التركية” للخلافات في المناطق البعيدة عن الحدود التركية، مثل السعي لبناء قاعدة عسكرية تركية في الوطية وأخرى بحرية في مصراته، كما لتركيا قاعدة عسكرية كبيرة في الصومال، وهناك معلومات تقول إن تركيا تقوم بتدريب عناصر ما يسمي “بحزب الإصلاح اليمني” حيث ترى تركيا في العنصر العسكري، وخاصة شركة “صادات” الأمنية التي تشبه شركة بلاك ووتر للمرتزقة، ورقة يمكن الدخول بها في النزاعات وكسب موطيء قدم للعودة لما تسميه أنقرة “أملاك السلطان عبد الحميد الثاني”.
خط الجرذان الثاني
أكثر الدول الأوروبية التي تخشى موجة جديدة من الإرهابيين هي فرنسا، فالمعروف أن فرنسا هي أكثر الدول الأوروبية التي خرج منها مقاتلو داعش، وترى في الدخول التركي للساحة الليبية أكبر خطر على الأمن الأوروبي، لأن إنتقال الداعشي من سوريا حتى فرنسا أو ألمانيا يحتاج للمرور على 10 دول على الأقل، لكن وجود ما يقرب من 18 ألف إرهابي نقلتهم تركيا إلى الغرب الليبي يجعل هؤلاء الدواعش في قلب أوروبا خلال ساعات قليلة، فالإرهابي في ليبيا يحتاج مركبًا مطاطيًا صغيرًا و6 ساعات فقط للوصول لجزيرة صقلية الإيطالية، وترى فرنسا أن “اللعبة الخطيرة” التركية تتمثل في “خط الجرذان الثاني”.. حيث كانت عملية خط الجرذان الأول بنقل آلاف الإرهابيين من ليبيا إلى سوريا والعراق عام 2011 بعد سقوط نظام القذافي، وعدم قدرة الرئيس أوباما وقتها على تخصيص أموال للمعارضة السورية لأن الكونجرس كان في أجازة، ولهذا إضطلعت تركيا ومعها قطر بنقل الإرهابيين نهاية عام 2011 الي ميناء فاجموستا في شمال قبرص، ومن هناك إلى تركيا ودخلوا بعدها لسوريا والعراق، واليوم تخشى فرنسا من “خط الجرذان الثاني” بإعادة هؤلاء مرة أخري لليبيا ليكونوا على أعتاب القارة الأوروبية.
الساحل والصحراء
لكن هناك من يقول أن خطر الإرهابيين في ليبيا يجب أن يزعج كل الأوروبيين، فلماذا يبدو الصوت الفرنسي المعارض أعلى صوتًا ضد تركيا؟.. الإجابة تأتي من منطقة الساحل والصحراء التي تضم 5 دول تعاني من الجماعات الإرهابية خاصة القاعدة وداعش، ويوجد لفرنسا مصالح تاريخية في هذه المنطقة، كما يحارب أكثر من 5 آلاف جندي فرنسي الجماعات الإرهابية في مناطق الساحل والصحراء، وتخشى فرنسا بشكل خاص سيطرة الإرهابيين المدعومين من تركيا على الجفرة وسرت، لأن هذا سيخلق “طريقًا طويلًا للإرهابيين” يصل من شمال سوريا إلى لليبيا، ومن وسط ليبيا “الجفرة” إلى الجنوب حيث المجموعات الإرهابية التي تحاربها باريس، وحضر من أجلها الرئيس الفرنسي ماكرون الأسبوع الماضي قمة في نواكشوط لتنسيق الخطط لمجابهة هذه الجماعات شديدة التطرف في الساحل والصحراء.
مسجد تولوز
ربما الخطر التركي على أمن فرنسا ليس فقط من الخارج بل في الداخل الفرنسي نفسه، فخلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون لمدينة تولوز في جنوب غرب خلال شهر مارس الماضي، كشف عن “الخلايا التركية” في فرنسا التي وصفها بأنها تشكل خطرًا على القيم والدولة الفرنسية، ومن المعلومات التي كشفها الرئيس الفرنسي تمويل أنقره ما تسميه تركيا “المراكز الإسلامية” وهي مراكز يعمل بها متطرفون يشكلون حاضنة لكل العناصر الإرهابية التي تتابعها الشرطة الفرنسية، كما تنشر هذه المراكز “خرائط عثمانية” الهدف منها عودة تركيا لحدود ما قبل إتفاقية لوزان 1923، ويعمل في هذه المراكز عناصر متطرفة يتبنون أفكار داعش والقاعدة، وهو ما دفع الرئيس الفرنسي للقول إن دفع تركيا 35 مليون يورو “لمسجد النور” في تولوز نموذج على حجم الدعم التركي للجماعات الإرهابية في فرنسا، وهو ما يهدد الأمن القومي الفرنسي، كل ذلك يجعل الصدام الفرنسي التركي قائمًا في أكثر من جبهة.
الغد