تتوالى المصائب فوق رأس الرئيس الأميركي المرشح عن الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة التي من المقرر أن تجري في الثالث من تشرين الثاني القادم، وآخرها الكتاب الذي أعده مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، والذي ينوي طباعته بعد أيام، ويحتوي على معلومات تضر بسمعة ومكانة ترامب، منها طلبه من الرئيس الصيني قبل عام مساعدته على الفوز في الانتخابات القادمة.
وهذا يعني مزيداً من الصعوبات أمام حملة إعادة انتخاب ترامب، في مواجهة خصمه الديمقراطي جو بايدن، ويزيد من احتمالات فشل الرئيس في البقاء بالبيت الأبيض لولاية ثانية، بما ينعكس على مجمل العلاقات الدولية مع الولايات المتحدة، ومنها، بل وفي مقدمتها علاقتها مع إسرائيل، أو بمعنى أدق سياساتها تجاه سياسة الحكومة الإسرائيلية اليمينية، ذلك أن خروج ترامب من البيت الأبيض سيضر كثيراً بمكانة بنيامين نتنياهو وبمستقبله كرئيس الحكومة ومعه اليمين بأكمله.
تتابع الصعوبات أمام ترامب يزيد من حاجته إلى الاعتماد على تنفيذ صفقته في الشرق الأوسط، وتزيد من حاجته لنتنياهو الذي كان هو قد ساعده في البقاء كرئيس للحكومة، بإعلانه تلك الصفقة أولاً، ثم بالضغط على بيني غانتس لتشكيل الحكومة بين الرجلين على قاعدة الاتفاق على تلك الصفقة، التي يعزز تنفيذها من قوة اليمين الإسرائيلي داخل إسرائيل، وقد بدأ انعكاس نجاح نتنياهو في تجاوز عقبة غانتس في ازدياد قوة الليكود في استطلاعات الرأي، فيما لو جرت انتخابات إسرائيلية الآن.
وهذا يفسر استمرار إصرار نتنياهو على الشروع بتطبيق الضم، رغم المعارضة الدولية، لكن وضع العالم والمنطقة أمام مفترق طرق لا يمكن الرجعة عنه، يعني بأن سيناريوهات عدة، تتشكل الآن في الفضاء السياسي المتلبد، فيما يخص ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، أي أن التهديد بقرار الضم، لن ينتهي بالضرورة بنتيجة الضربة القاضية، أي بما هو معلن وفق الخرائط المعدة، بضم 30% من مساحة الضفة الغربية، تشمل كل المستوطنات والطرق الواصلة فيما بينها، وشمال البحر الميت، أو الأغوار.
لذا فإن ما يجري تداوله حالياً، هو حديث إسرائيلي عن ضم على مرحلتين، فيما بدأ الاتحاد الأوروبي يتحدث عن مفاوضات فلسطينية/إسرائيلية، بالتوافق مع الولايات المتحدة، التي تفضل أن يجري الحديث عن صفقة ترامب، وليس عن أحد أهم بنودها وهو الضم، كما يفضل نتنياهو، وهذا هامش صغير في الخلاف بين الحليفين، الإسرائيلي والأميركي، سببه أن كلاً منهما يبحث عما يعزز قوته الداخلية ويبقي على حظوظه بالبقاء في الحكم.
وهكذا فإن المعركة السياسية الدائرة منذ مطلع العام، أي منذ لحظة إعلان الصفقة، وربما قبلها، منذ بدء الحديث عن إعدادها، ما زالت قائمة، بل ومستعرة، وهي تقترب من لحظة الحسم خلال أيام معدودة، وهنا يبدو بأن عامل الزمن والمراهنات على مستقبل ترامب والمنطقة والعالم، خلال أشهر قادمة، سيكون له كلمة الفصل، فإسرائيل ونتنياهو يريان في هذه اللحظة مناسبة تاريخية لن تتكرر مع تزايد احتمالات مغادرة ترامب للبيت الأبيض، لذا فإنهما لن يفوّتاها دون إنجاز، أقله تمرير قرار تطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات، بما يعني ضم 10% من مساحة الضفة الغربية، وهي المرحلة الأولى، بعد أن أشيع بأن نتنياهو ينوي تنفيذ الصفقة على مرحلتين، ليتجنب الرفض الأردني الناجم عن ضم يشمل الأغوار.
لكن حتى مثل هذا القرار سيحول دون فتح الباب لمفاوضات تجري تحت حد سيف الضم، أو ضمن إطار الصفقة، لذا فإنه ما لم يتم إعلان أوروبي صريح، بإجبار إسرائيل على قبول التفاوض دون شروط، أي دون إعلان جزئي أو كلي للضم، فلن تكون هناك مفاوضات، والإجبار يعني أن ترى إسرائيل جدية في الموقف الأوروبي، وتتأكد من أن أي قرار ينتهك القانون الدولي سيقابل بإجراءات عقابية، منها الاعتراف بدولة فلسطين ضمن حدود 67.
لكن حتى هذا يعني بأن باب التفاوض لو فتح، فإنه سينفتح في ظل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، لكن رعاية دولية رباعية يمكنها أن تتجاوز هذه المعضلة، وفي كل الأحوال، فإن التفاوض في حال انطلقت عجلته، فإنه سيفرض مرونة أكبر على الجانب الفلسطيني أن يبديها، مرونة تتجاوز تلك التي كان عليها الموقف الفلسطيني قبل سنوات.
لعل القيادة الفلسطينية تراهن على خروج ترامب من البيت الأبيض، بعد أن فشلت المراهنة على خروج نتنياهو، من مكتب رئيس الحكومة، لكن «حنكة» نتنياهو تتيح له أن يظفر من الأوروبيين خاصة بمكسب جدي، مقابل أن يؤجل إعلان الضم، ربما يكون ذلك من خلال تحديد زمني مدته ثلاثة أشهر، أي قبل مغادرة محتملة لترامب محفل الإدارة الأميركية، للتوصل إلى حل يتضمن ضم المستوطنات، بـ 10% من الأرض ولو ضمن تبادل أراض، وهذا يضمن لإسرائيل دولة فلسطينية ضعيفة التواصل الجغرافي، كذلك قبول سيطرة أمنية في الأغوار.
أي أن إسرائيل ورغم المعارضة الدولية الشديدة لنيتها في ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، باتت في موقف تفاوضي قوي، يحتاج ليس فقط إلى صمود سياسي فلسطيني، والى كفاح دبلوماسي ناجح، بل إلى مقاومة شعبية أيضا على الأرض، مدخلها مواجهة عربدة وتعديات المستوطنين على أملاك وأرواح وحقوق المواطنين الفلسطينيين .
فيما يتضح تماما بأن الصفقة قد فتحت الباب واسعا، للتهديد بقرار الضم، لتحقيق احدى نتيجتين: إما الضم الفعلي، أو فتح الأبواب المغلقة العديدة التي كانت تواجه نتنياهو وترامب معاً، ومنها بالطبع بوابة المفاوضات الفلسطينية/الإسرائيلية، التي كانت متوقفة بسبب إصرار الطرف الفلسطيني على مرجعتيها وتحديد سقفها، كذلك جملة من الشروط، منها إطلاق سراح المعتقلين.
كذلك تجاوز الفشل في إنشاء التحالف الأمني العربي/الإسرائيلي، أو ما سبق وأن وصفه البعض بـ «ناتو» الشرق الأوسط، مشكلاً من إسرائيل ودول الخليج مع مصر والأردن ضد إيران، والذي فشل حتى الآن بسبب عرقلة صفقة القرن، بعد مؤتمر المنامة قبل عام، ولا ينجح حديث نتنياهو بمنجز التطبيع للتعويض عن ذلك الفشل.