بعد عام ونصف العام نجح طرفي المعادلة الرئيسية في إسرائيل بتشكيل "حكومة وحدة طوارئ" تقاسما فيها "النفوذ الحزبي – السياسي".
توافق تحالف الليكود، مع تحالف حزب أزرق ابيض والعمل، جاء بعد ان فقد نتنياهو رئيس الحكومة المستدام، أخر أوراق المناورة نتيجة تهديد غانتس بتحويل أوراقه الى "المفتي القضائي" بمنعه من استغلال انكسار تحالف أزرق أبيض وخطف التشكيل منفردا، فجاء التهديد "أكله النسبي" بتوافق مصالح.
التوافق لا يعكس حقيقة "ميزان القوى البرلماني" بعد ان خسر أزرق أبيض ورئيسه كتلة تصويتية داعمة، وبات يملك مع بقايا حزب العمل، أقل من نصف ما يملك الليكود وتحالفه، لكن الورقة التهديدية بالأغلبية البرلمانية ضد نتنياهو كانت القوة الضاغطة الرئيسية لتشكل حكومة "الرأس ونصف الرأس".
ذلك الوصف، تقديرا، ان نتنياهو تمكن من تحقيق حلم ما بالاستمرار كأطول رئيس حكومة في تاريخ دولة الكيان، والهروب المؤقت من مقصلة السجن الذي دق أبواب بيته، وربما تكون هذه النقطة الفصل التي أجبرته على "الخنوع المؤقت"، فيما نال "نصف الرأس" بعضا من نجاح بعد خسارة كبيرة.
حكومة "الراس ونصف" الإسرائيلية كشفت تماما بعض عيوب بنيوية في الكيان، خاصة الصفقة بين الطرفين حول القضاء وتركيبته القادمة ما يمنع استخدام "القانون" لملاحقة الفاسد نتنياهو، وكيف يمكن تطويعه لخدمة غير العدالة، مع تركيبة حكومية هي الأوسع منذ عام 1948، حيث سيصبح العدد 36 وزيرا و16 نائب وزير، لترضية "النزعة الفئوية" لكل مكوناتها، وتلك ظاهرة تكشف فسادا سياسيا بغطاء القانون.
الشأن الداخلي الإسرائيلي في تلك التشكيلة يحمل كثيرا من ظواهر فساد سياسي، لكن الأهم للفلسطيني، ما أعلنته وثيقة الاتفاق حول البدء العملي بضم أراضي في الضفة الغربية والأغوار في شهر يوليو القادم، بعد أسابيع من تاريخه.
نص لا يحمل أي التباس سياسي، صريح مباشر، ان الضم لم يعد "وعدا" فقط، بل أصبح أقرب الى الواقع العملي، في ظل ظروف سياسية قد تكون الأكثر مثالية لتنفيذ ذلك، خاصة الفلسطينية منها، بعيدا عن الظروف الدولية التي تلاحق مضاعفات الفايروس الكوروني دون ان تدير بالا للمسالة الفلسطينية، رغم "التعاطف اللحظي" الرافض لخطوة الضم من قبل الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين ودول يمكن تسجيل بيناتها عند مسؤول "التفاوض المنتظر" منذ 2005، كأنه المهدي المنتظر.
ولم يمض وقت على إعلان تشكيل حكومة الضم القادم حتى بدأت "حركة البيانات الفلسطينية التهديدية"، والتي باتت محفوظة عن ظهر قلب، ولن تضع حجرا لعرقلة مسار الضم والتهويد، وذلك ليس استنتاجا بل هو واقع قائم، أن الفعل الكلامي أصبح معلوما، بكل عباراته التي سترد في أي بيان.
حكومة "الرأس ونصف رأس" تعلم أن السلطة الفلسطينية ورئاسة منظمة التحرير لن تتقدم بخطوة عملية واحدة لتغيير المشهد، فما كان قبل التشكيل سيستمر بعدها، مع زيادة وتيرة البيانات والتغريدات الرافضة، فيما حركة حماس لن تجرؤ ابدا على كسر معادلة "حراسة الأمن الإسرائيلي مقابل المال وسلطة غزة"، ولذا فكل ما سيصدر عنها من بيانات ليس سوى فعل ثرثرة تساوي ثرثرة مسؤولي السلطة بغلاف "مقاوم".
بين استسلامية الرسمية الفلسطينية بطرفيها في السلطة وفصيلها المركزي فتح (م7)، وحماس وتوابعها الفصائلية، تبقى الاحتمالية التي دوما ما يمكنها أن تعيد الحسابات الى منطق غير رياضي دقيق، فعل انتفاضي خارج أطراف تنفيذ الضم والتهويد.
فعل شعبي مفاجئ يدق خزان الانهزامية المفروضة بقوة امن ثلاث أطراف، فعل يفرض آلياته على المنهزمين بجشع السلطة وامتيازاتها، التي أصبحت "مقدسا سياسيا" لهم على حساب المقدس الوطني.
هل تنتفض بعض مكونات الشعب لصياغة جديد يكون المعادلة السياسية الوطنية الفلسطينية في مواجهة المعادلة الإسرائيلية العدوانية الجديدة...تلك هي المسالة، وغيرها فكل بيانات الانفعال ليست سوى محفز عملي لتسريع عملية الضم والتهويد.
ملاحظة: انهيار سعر النفط الأمريكي بسرعة قياسية عملية "إنذار مبكر" لملامح القادم عالميا...كورونا فعل ما عجزت عنه سواعد البرولتياريا العالمية..هوووووورا!
تنويه خاص: حركة "تنمر" غريبة انتشرت بعد كلمات د. أشتية للناطق الرسمي باسم حكومة رام الله "شيل ايدك من جيبك"...تجاهلوا ما كان سياسية وتذكروا حركة غير مقبولة...ملامح "التفاهة السياسية" لا أكثر ولا أقل!