هناك اتفاق بين كل الدول شرقاً وغرباً أن عالم ما بعد كورونا سوف يختلف عن العالم الذي تشكل عقب الحرب العالمية الثانية، وأن هذا الاختلاف سيطول كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أن حجم وعمق التغير القادم سيتوقف على المدى الزمني الذي سيستغرقه اكتشاف علاج لهذه الجارحة، لكن على الجانب الآخر يوجد خلاف كبير حول المستفيد من هذا المرض، وهناك أسئلة كثيرة حول ترتيب “هرم القيادة” العالمية، بمعنى هل ستبقى الولايات المتحدة زعيمة العالم أم أن الصين ستحتل المقدمة وتقود العالم مع روسيا؟ وهل سينشأ نظام دولي جديد بديل للأمم المتحدة؟
أوراق الصين
لا شك أن نجاح الصين في رسم ”خريطة طريق” للتعامل مع فيروس كورنا زاد من ثقة بكين في نفسها ، وشجعها لتبدو مستعدة لقيادة العالم في 2020 بعد أن كانت تستعد لذلك عام 2049 وهو التاريخ الذي يوافق مرور 100 عام على استقلالها، وتأمل الصين أن يزيد ناتجها القومي بعد أزمة كورونا من 13.4 تريليون دولار إلى 20 تريليون بعد شراء مليارات الأسهم بأسعار بخسه من الشركات الغربية والأمريكية، ويعزز من ثقة الصين أنها نجحت – منذ عام 1978 عندما وضعت سياسة الانفتاح والإصلاح – في انتشال أكثر من 800 مليون صيني من الفقر، وباتت الصين أكبر دولة للطبقة المتوسطة في العالم، وعسكريا يعد الجيش الصيني أكبر جيش في العالم بـــ 2 مليون جندي، وتملك الصين 300 قنبلة نووية، وبات لها سلاح بحري قوي بعد شراء أول حاملة طائرات من روسيا، وأنتجت هي حاملة طائرات جديد تستوعب 35 طائرة مقاتلة ،بالإضافة إلى 4 غواصات نووية استراتيجية تحمل كل واحدة منها 12 صاروخا باليستيا من نوع “الموج الكبير” يتراوح مداه بين 8 و9 آلاف كم ، وحسب تقديرات البنتاجون فإن لدى الصين 90 صاروخاً باليستيا عابر للقارات مثل “دونج فنج 41” الذي يعد أحد أفضل الصواريخ البالستية في العالم إذ يصل مداه إلى 14 ألف كم، وهو قادر على ضرب أي ولاية من الولايات الأمريكية الخمسين، وعلى مستوى القوات الجوية أنتجت الصين في سبتمبر 2016 قاذفة القنابل الاستراتيجية Xian H-20 من الجيل الجديد التي صممت باستخدام تكنولوجيا “الجناح الطائر” مثل قاذفة الشبح الأمريكية B-2 ، وستبدأ الصين إنتاج هذه الطائرة Xian H20 بشكل تسلسلي عام 2025، كما أن الصين هي الدولة الوحيدة التي تبني “ملاجئ نووية” استعدادا لحرب نووية في المستقبل، ووفق معهد إستكهولم للسلام الدولي أصبحت الصين ثان أكبر منتج للسلاح في العالم، وأن شركة أفيك الصينية لإنتاج السلاح زادت مبيعاتها على 25 مليار دولار عام 2018، وبذلك تنافس شركة لوكهيد مارتن الأمريكية التي تصل مبيعاتها إلى 45 مليار دولار.
تفوق أمريكي
يرى الأمريكيون أنهم يسبقون الصين بخطوات كثيرة، وأن المسافة بين الولايات المتحدة والصين تصل لأكثر من 80 عاماً، وأن القرن الحادي والعشرين سيظل عاماً أمريكياً حتى بعد فيروس كورنا، لأن الناتج القومي الأمريكي يبلغ 20.4 تريليون دولار يتم توزيعهم على 300 مليون نسمة، ولذلك دخل الفرد الأمريكي حوالي 59 ألف دولار سنوياً، في حين ما زال دخل الفرد في الصين لا يتجاوز 8800 دولار فقط بعد توزيع 13.5 تريليون دولار على مليار و300 مليون نسمة، كما أن ميزانية الدفاع الأمريكية تزيد عن 720 مليار دولار سنوياً في مقابل 265 مليار لجيش الدفاع الشعبي الصيني ، ولدى واشنطن 220 ألف جندي في أكثر من 800 قاعدة عسكرية خارج الآراض الأمريكية، كما أن الولايات المتحدة هي أكثر دولة في العالم لديها غواصات نووية، وحاملات طائرات، وتمتلك 6550 سلاح نووي، كما أن نظام التحويل المالي ”السويفت” الأمريكي ما زال يتحكم في التجارة العالمية، وتتصدر الجامعات الأمريكية أفضل 10 جامعات في العالم ،ناهيك سلاسل الأكلات والأفلام الأمريكية تغزو كل بيت في العالم، وبرهنت الولايات المتحدة على قدرتها على التعافي من كورنا اقتصاديا – كما تعافت من الكساد الكبير عام 1930 – عندما قرر الكونجرس أكبر حزمة تحفيز مالي في التاريخ بــ2.2 تريليون دولار.
لكل ذلك يبدو التغير في ”هرم القيادة” العالمية مؤجل، وأن الولايات المتحدة لن تسلم القيادة بسهولة، كما أن مشاكل الصين في تايوان وهون كونج والتبت وتركستان الشرقية وبحر الصين الجنوبي لن تساعدها حالياً على قيادة العالم.