لايزال فايروس كورونا الذي تشير منظمة الصحة العالمية أنه أصبح جائحة أخطر من الوباء، يثير الرعب على مستوى العالم، فقد هز دولاً كبرى مثل الصين وإيطاليا وايران وفتك بعشرات من مواطنيها وفي حين أن إيطاليا لم تتحدث عن مؤامرة إلا أن الصين وروسيا وإيران تحدثت عن مثل هذا الإحتمال،بوجود مؤامرة تديرها الولايات المتحدة. وأخطر تلك التصريحات هي تلك الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية في أن الولايات المتحدة أقامت مختبرات بيولوجية في الدول المجاورة لروسيا والصين وقدمت دلائل على ذلك من جورجيا.
لم يبق الأمر واحتمالات المؤامرة من إختصاص تقييمات وإعلام الدول، بل إمتد ذلك إلى ساحات الفضاء الأزرق، حيث نُشرت العديد من التغريدات حول بعض الأفلام والروايات الأمريكية، التي تتحدث عن الأوبئة المصنعة مخبرياً، للتدليل على المؤامرة، كان من أبرزها فيلم “كونتيجيون” الذي تنبأ بتفشي الفيروس قبل 10 سنوات،أي عام ٢٠١١ ومدى الاهتمام بالفيلم يعكس تصديق عدد كبير من الأفراد حول العالم، لنظرية المؤامرة، فقد أشارت الإحصائيات إلى أن الفيلم لم يحظ بشعبية في حينه كالشعبية التي حصل عليها اليوم، رغم مشاركة نجوم كبار فيه أمثال “مات ديمون، وجود لو، وغوينث بالترو، وكيت وينسلت ومايكل دوغلاس”. إذ جاء ترتيب الفيلم حينها، في المرتبة الحادية والستين من حيث الأرباح التي حققها في ذلك العام في جميع أنحاء العالم.
لكن، مع انتشار مرض “كورونا” عاد الفيلم ثانية وبشكل مفاجئ ليصبح في عداد قائمة الأفلام الأكثر طلباً من متجر “آيتيونز” الإلكتروني الخاص بشركة آبل، وارتفع معدل البحث عن اسم هذا الفيلم في محرك البحث غوغل.
وقالت شركة “وارنر برذارز”؛ التي أنتجت الفيلم، إن ترتيب فيلم كونتيجيون وصل إلى المرتبة الثامنة هذا العام، وجاء مباشرة بعد فيلم هاري بوتر. وذلك بسبب أوجه التشابه بين سيناريو وأحداث الفيلم الذي أنتج قبل عشر سنوات والأحداث الحقيقية لتفشي فيروس كورونا حالياً.
وفي نفس السياق برزت رواية “عيون الظلام” للأميركي دين كونتز، والصادرة في العام 1981، أيضاً إلى صفحات العالم الأزرق “الفيسبوك وتويتر” وتناقلها النشطاء عبر العالم في منشورات وتغريدات لهم، رابطين ما بين أحداث الرواية وما يحدث من انتشار للفايروس في العالم، وبالطبع عزوا هذا التشابه إلى فرضية وجود مؤامرة، وذلك لم يأت من فراغ بل لتشابه أحداث الرواية مع بعض ماحدث في الصين، خصوصاً أن الفايروس القاتل في الرواية يحمل تسمية “ووهان 400″، ويتم تصنيعه مخبرياً كسلاح بيولوجي، وللمصادفة هذا هو اسم المدينة الصينية التي أُعتبرت مصدراً لانتشار فيروس “كورونا “. لكن الرواية أقصد “عيون الظلام” لا تحتوي على تاريخ سنة ٢٠٢٠ كموعد لانتشار الفايروس كما روج البعض.
وفيما يخص الصفحات العربية على الفيسبوك فقد تداولت الشبكات الاجتماعية فيديو مسجلا ينُسب إلى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين يقول فيه إن الولايات المتحدة هددته بفايروس كورونا، (ولم يتم التأكد من حقيقة الصوت المرافق للتسجيل) وهناك تشابه كبير في نبرة المتحدث مع نبرة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، نحن نسجل شكنا أن الفيديو تمت دبلجته ليخدم هدف فرضية المؤامرة الأمريكية على العالم؟.
ومن عجائب ما نُشر ذلك الذي روجه الإسلامويون بقولهم إن الفايروس لا يصيب المسلمين بل هو انتقام إلهي من الصين، على ما زُعموا أنه قمع للمسلمين الإيغور في مقاطعة تركستان الصينية، لكن المضحك أن هؤلاء قد عادوا بعد انتشار الفايروس في الدول العربية والإسلامية ومنع بعض الدول ومنها السعودية، العمرة وصلوات الجماعة إلى تغيير أقوالهم إلى النقيض، وادعوا أنها مؤامرة على الإسلام والمسلمين بغرض إبطال فرضي الصلاة والحج.
ليس هناك حتى الآن من يمنحنا جواباً عن كثير من التساؤلات، وبعضها مشروع، فيما يتعلق بالأفلام أو الروايات التي تصادف أن محتواها يتطابق أو يتشابه مع أحداث معينة كسلسلة سمبسون الكرتونية التي تنبأت بفوز دونالد ترامب، وأحد الأفلام الأمريكية التي سبقت انتخاب أوباما بمدة حيث تنبأت بمجيء رئيساً أسوداً يحكم أمريكا، وقد تحققت تلك التنبؤات بالفعل.
ما يُبقي حالة الغموض مسيطرة وبالتالي اعتقاد الكثيرين أنها مؤامرة من دولة ما ضد دول بعينها، هو تشابه بعض الأحداث المتخيلة مع ما نشاهده اليوم من حقائق، فالمصادفات في عالم اليوم يقف خلفها الشك، خصوصا أنه ومنذ نشر بروتكولات حكماء صهيون، يعتقد كثير من النخب والعوام أن هناك حكومة خفية تدير العالم وتوجهه نحو أهداف كلها تصب في صالح الصهيونية والماسونية.
لكن ما يدحض هذه النظريات أو الفرضيات رغم وجاهة الأفكار والشكوك التي تراود الناس، هو أن الفايروس انتشر شرقاً وغرباً ولم يوفر أحداً من الدول والأجناس، فهو لا يصيب العرق الأصفر فقط كما أُشيع، ولايستثني الأبيض أو الأسود، بل يضرب في كل مكان في الصين وروسيا وإيران والولايات المتحدة، الفايروس ليس عنصرياً، الفايروس يستوطن أينما وجد بيئة صالحة لتكاثره، وتتصدر اليوم إيطاليا مع إيران والصين قائمة الدول الأكثر استهدفاً للفايروس، فقد انتشر فيها بسرعة كبيرة فاقت التوقعات، وأسقط الفايروس المعادلة الشيطانية الأزلية التي تقول إن كل المصائب تأتي من وراء أعمال اليهود، فقد ضرب الوباء كيان الاحتلال الصهيوني أيضاً، وهناك عديد الإصابات حتى بين جنود الاحتلال الذين فرض على الآلاف منهم الحجر الطبي.
المؤكد أن الفايروس مُخيف، فقد تصدرت أخباره نشرات الأخبار المحلية والعالمية، وبات محور أحاديث الناس، وباتت الأجواء على مستوى العالم مشحونة بالقلق والحذر والترقب بل والخوف، وتثار عديد التساؤلات عما سيحدث غداً في ظل فرض إغلاق شامل على عديد المدن في أوروبا وآسيا خصوصاً الصين وإيطاليا وإيران وكوريا الجنوبية، وإغلاق للحدود، ومنع السفر وإعلان حالة الطوارئ.
أشك في أن هناك مؤامرة، شكي مبعثه الأحداث نفسها، حيث لو كان كذلك لما أصاب الفيروس أعضاء في الكونغرس بينهم من قابل الرئيس ترامب وصافحه، ولا أصاب وزراء في بريطانيا وفرنسا، ولا أصاب مواطنين صهاينة، ولا يمكن أن يكون صناعة صينية، فالصين أول من عانى منه.
وعليه سيبقى مصدره لغزاً إلى سنين طويلة، وقد يتحول مع الوقت إلى مرض عادي يمكن السيطرة عليه أو التعايش معه كما هي الأنفلونزا والرشح والزكام وغيرها من الأمراض الموسمية، أو ربما لا، سننتظر الصيف لنرى إن كانت تقتله الحرارة كما يظن.
لا يوجد شيء في هذا العالم بعيد عن السياسة والتأويل السياسي، كل شيء خلفه أسباب، طبيعة العقل البشري الشك، وقد يصيب وقد يخيب، نأمل أن تتعاون البشرية جمعاء في السيطرة وحتى القضاء عليه، فهو عدو للجميع، وبالتالي لابد من تكاتف الجميع دولاً وأفراداً ومنظمات دولية في بحث السبل والعلاجات اللازمة لدرء خطر أرعب البشرية، وجعلها تشعر أنها جميعاً في مركب واحد بغض النظر عن أعراقها وأجناسها وقومياتها ولغاتها، غنيها أو فقيرها.
في فلسطين اتخذت الحكومة في مواجهة الفايروس بعد ثبوت حالات أصيبت به إثر اختلاطها بوفد سياحي يوناني زائر، قرارات هامة تصب جميعها في مصلحة المواطن الفلسطيني، ولكن كالعادة ومن باب المناكفة السياسية التي اعتاد عليها الفلسطيني منذ عام ٢٠٠٧ رفضت حكومة حماس في غزة الإعلان واستثنت القطاع المحاصر من تطبيقه لكن الجامعات والمدارس والمنظمات الدولية التزمت به و طبقته، ومازالت حكومة حماس تحاول إرجاع الطلاب الى مدارسهم وجامعاتهم، وكأن حياة الناس ومصيرهم لعبة! حيث أن ذلك على مايبدو لم يعجب المشايخ هناك، فهم يحيلون كل شيء يحصل للقدر، هزيمة أونصر، وغنى أوفقر، وموت أوحياة، بما يتوافق مع تفسيراتهم لهذا الإيمان الذي يتناقض في جوهره مع المعتقد الإسلامي الصحيح.
فالإيمان بالقدر لا يعني إلغاء الحذر ولا يعني الاستهتار، والأقدار هي مسيرة حياة لا مواجهات ولا مجازفات، ولا مغامرات، ربما نحتاج في عالمنا العربي والإسلامي إلى إعادة إنتاج كثير من قضايا التراث بما يبعد عنا التخلف والجهل والاتكالية العمياء، نحتاج لتعريف جديد للقدر غير ما فهمه الشيوخ.
عمر بن الخطاب عرفَ القدر والتوكل على الله بالمقولة الشهيرة للإعرابي صاحب الحمار الذي لم يربط حماره أمام المسجد، متوكلاً على القدر ومن خلفه القدير، فخرج ولم يجد حماره وذهب إلى عمر دافعا بالاتكال على الله فقال له عمر: إن التوكل على الله يعني “أعقل وتوكل”. أي اربط حمارك وبعدها توكل على الله وليس أن تتركه سائباً ومن ثم تلقي بالمسؤولية على القدر.
وهكذا الأمر في مواجهة الأوبئة والكوارث والمصائب وأي أحداث مهما كان تصنيفها، إذ الاعتماد على مقولة “قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا” لن يفيد، فهذه المقولة هي في منطقها أننا بعد أن نأخذ بكل الحذر المطلوب والاحتياطات اللازمة ورغم ذلك حصل المكروه أو نقيضه فهذا من فضل الله، أما إذا لم نأخذ بما هو مطلوب لمواجهة الحدث فأية إصابة تصيبنا هي من فعل عقولنا وسوء تقديرنا والله ليس مسؤولاً عنها.