- مراسلنا: شهيد وإصابتان في قصف منزل يعود لعائلة عليان قرب دوار حيدر غربي مدينة غزة
مع كل الاحترام للمحكمة الفرنسية التي أدانت واحداً ممن ابتلعوا طُعم التقصد الكيدي والاتهامات الجزافية المرسلة، بحق النائب المنتخب وعضو اللجنة المركزية المنتخب محمد دحلان؛ فإننا نرى في الحكم القضائي، محض جزئية بسيطة معطوفة على الموقف الأدبي لهذا القيادي الوطني، الذي أحبه وأنصفه مناضلون قدامى وجدد، وجمهور عريض من الفلسطينيين. والرجل، من جانبه، لم ينحنِ ولم تلن عريكته. ولأن القضاء الفرنسي، هو سليل البلد الذي أنتج محددات القانون المدني، الذي استهدت به الأمم، وهو مهد "روسو" الذي كانت فلسفته إرهاصاً للثورة الفرنسية التي غيرت مسار الحياة السياسية في العالم، ومهد فرانسوا آروييه (فولتير) رائد عصر التنوير، و"مونتسكيو" صاحب نظرية الفصل بين السلطات؛ فقد أضاء الحُكم القضائي الذي نطق به القضاة الفرنسيون، شمعة وسط ظلامات التعدي على الشرف الوطني للناس، واللعب بعواطف السُذج واستغلال قدسية القيم الوطنية، لتشويه الوطنيين وحرف أنظار البسطاء وإعلاء شأن العدو!
فماذا لو إن كل محاولة تنميط حقيرة وظالمة، لتجربة محمد دحلان، أحيلت الى قفص الإتهام في محكمة عادلة؟
وفي الحقية، بات محمد دحلان، في غير حاجة الى المحاكم لكي تنصفه وتدحض أقاويل البعض الذي يلتقط أطراف حكايات لكي يُنفّس عن احتقاناته ويعلل بها استغلاق فهم المشهد عليه، وعجزه عن تقصي أسباب البلاءات التي أصابتنا. فهو هاديء الأعصاب ويميل الى السخرية من كل هجوم حانق. كأنما علمته سنن التاريخ السياسي في العالم كله، أن ما من معطاء ومثابر على قضية شعبه، إلا وصدرت ضده من أطراف المجتمعات ومن كهوف الرضوخ للإمبرياليين الجامحين؛ تقولات من شاكلة هذا الذي قيل في النبلاء من الرجال المخلصين لشعوبهم وأوطانهم!
ربما يكون القانون الذي يتيح للناس نقد وهجاء الشخصيات العامة، هو الذي أعاق محمد دحلان، عن ملاحقة المعتدين على سمعته، عندما كان يتقلد مسؤوليات عامة. لكنه اليوم لا يتقلد أية مسؤولية عامة، وبالتالي هو مواطن ويمكنه ملاحقة المعتدين قضائياً في أوطانهم، ولو كان في فلسطين قضاء نزيه يمتلك الحق في صياغة قرار اتهام لمن يتعدى أياً كان؛ لأصبحت القضايا في هذا الشأن بعدد الألسنة العاجزة عن إثبات صحة ما تدعي!
أما محمد دحلان، من جانبه، فلن يتأخر عن طلب الإنصاف إن وُجد القضاء الذي يُنصف. ليس لأنه ينتظر فرجاً من خلال التقاضي، وإنما لأن تهذيب الألسنة وتنقية العقول وإيضاح الرؤية، مطلوبة كلها لتأديب من يفصلون بين ألسنتهم وضمائرهم!
من دواعي الأسف، أن التخرصات التي أساءت لمحمد دحلان، لها مصدران، الأول وهو جماعة "الإخوان" الذين ينامون ويقومون على هجاء جمال عبد الناصر، الذي توفي قبل نصف القرن وهو على صوفيته الوطنية والقومية، في رضا ضمني عن الذين يخونون اليوم أو يمالئون كل مستعمر. اليوم أصبح محمد دحلان يتوافر على صداقة مع الطليعة المقاومة، المحسوبة على هؤلاء "الإخوان" بحكم ضغوط الوقائع وجبريات الحسبة الصحيحة، القائمة على الحقائق، وعلى ضرورات المصالح الوطنية. أما المصدر الثاني للاتهامات الجزافية التي انفجرت فجأة وبشكل انتهازي، بألسنة زملاء محمد دحلان وفضائه، عندما اختلف مع عباس على مسائل عامة؛ فإنه المصدر المأزوم والمثير للسخرية والذي يستحق الشفقة، وستفضحة أية مناسبة انتخابية، لسبب بسيط وهو أن ما يزعمونه عن محمد دحلان، بتأويل لقطات من قصص الماضي، هو نفسه الذي يمارسونه فعلاً في الحاضر وبأضعاف مضاعفة. لقد أدى الرجل واجبه على صعيد المسؤوليات الأمنية أثناء محاولة انجاز التسوية، وبتكليف من أب الوطنية ومؤسس الثورة الشهيد ياسر عرفات، وكانت هناك عملية سياسية تريدها منظمة التحرير أن تنجح، وكنا في وضع مريح نسبياً ونمتلك القدرة على تحديد خياراتنا. أما اليوم، فلا عملية سياسية، ولا مشروع، ولا وضعاً مريحاً ولا قدرة على اعتماد أي خيار مهم، ويتوسل رئيس السلطة لقاء نتنياهو وهذا الأخير القبيح لا يستجيب. وعلى الرغم من ذلك، ترى أصحاب ألسنة الإساءة، يهجمون على محمد دحلان ويحرضون ضده ويهمونه بما يفعلون، ويتوغلون في الوضاعة، ويجعلون التنسيق الأمني مقدساً وخارج السياسة، ولا علاقة له بأي أمر يعود بالنفع على الشعب الفلسطيني، بل يستزيدون في الصفاقة، فيصادرون الحريات ويقمعون ويسجنون صاحب الرأي مع التحقير والتعذيب!
المحكمة الفرنسية قالت ما عندها ضد أحد الذين ابتلعوا الطُعم ولم يستطع إثبات ما يزعمه، والبقية تأتي!