في موسكو كان هناك لقاء ليبي، وفي برلين مؤتمر دولي، والجامع المشترك كان الأزمة الليبية المتداعية.
في موسكو وبحسب وزير خارجيتها لم يتحقق اتفاق لا في شأن وقف إطلاق النار ولا بخصوص الحوار.
أما في برلين فقد أعلن ما كان معلناً عن الأمم المتحدة، وهو وقف التدخل في ليبيا، وحظر إمداد السلاح على أطراف الصراع، والاتفاق على وقف إطلاق النار الذي تعرض للخرق بعد يومين من قبل ميليشيات ومرتزقة ما تسمى حكومة الوفاق.
إن بناء حلول للأزمة دون الأخذ في الاعتبار مواجهة الأسباب هي عملية تعايش مع الوضع المتأزم والمتفجر في آن.
وأسباب الأزمة الليبية الحالية تعود بالأساس إلى طبيعة الانقسام بين الشرعية الدستورية والوطنية التاريخية ممثلة بالبرلمان والجيش الوطني من جهة، ومن جهة أخرى الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية والمرتزقة التي سيطرت على عاصمة البلاد وكانت سبباً في إجهاض حركة الشعب الليبي، وأدت إلى انهيار الدولة بمؤسساتها ونهب الثروة وإفقار البلاد.
فعلى أي أساس يمكن بناء حل يساوي بين ما هو مشروع وبين ما هو في صميم مشروعات الاستعمار؟
وفي الوقت الذي أعادت دولة الإمارات العربية تأكيد موقفها من الأزمة الليبية من أنها - أي الإمارات- مع أي جهد وتحرك أو مبادرة من شأنها مساعدة الشعب الليبي على الخروج من أزمته وتجاوز معاناته ووقف التدخل في شؤونه الداخلية، كان الموقف التركي قد استبق كل المحاولات والمواقف في غزو هذا البلد بإرسال المرتزقة والجماعات الإرهابية والوحدات العسكرية الاستخبارية وأرتال الأعتدة من الأسلحة.
فهل ثمة إمكانية للمقارنة بين الموقف الداعم لاستعادة ليبيا عافيتها واستقلالها وتمكين إرادة شعبها وبين ما يجري تركياً استعمارياً في البسط والسيطرة العسكرية والنهب للثروة وصنوف الابتزاز؟
إن ما يجري في ليبيا هو انقسام بين الحق والباطل، وبين الوطنيين بهويتهم وإرادتهم وبين الميليشيات والجماعات الإرهابية بتبعيتهم لتركيا التي لا تستهدف ليبيا وحسب، بل أيضا المنطقة العربية وإفريقيا في أطماع معقودة لدى أردوغان بالعودة إلى العصر العثماني وسياسة الهروب إلى الأمام من الأوضاع التركية الداخلية الاقتصادية والسياسية، وما يتداعى من نزيف جاد في الجبهات التي فتحها في العراق وسوريا وليبيا وغيرها، حيث تستظل العملية الاستعمارية التركية الجديدة بمظلة الاستثمار.
على هذا الأساس يمكن القول إن خروج ليبيا من أزمتها الراهنة يبدأ:
* أولاً: إنهاء الوجود العسكري التركي وما ترتب عليه من السيطرة على قرار حكومة السراج.
* ثانياً: حل الميليشيات والجماعات المسلحة والإرهابية التي ترعاها المخابرات التركية، والتي ستكون خطراً ليس على بلدان هذه المنطقة بل وعلى إفريقيا وأوروبا وعلى العالم بأسره.
* ثالثاً: المطلوب دولياً عدم استمرار الحسابات الصغيرة والانتظار لأنها برهنت على أنها تعمق الأزمات وتأتي على المصالح الكبيرة التي تكون متوفرة في ظل وضع ليبي مستقل ومستقر ومعقود على الأمن والأمان.
قد يقول قائل هنا إن البدايات المناسبة لخروج ليبيا من أزمتها يتوقف على انتقال المتصارعين إلى طاولة الحوار.
والواقع أن الحوار كان وسيبقى الخيار الأمثل للحلول السياسية للخلافات، بيد أنه في حالة التبعية الإخوانية لتركيا لا يتوفر الشرط الأساسي للحوار. هذا جانب، أما الجانب الآخر فإن هذه الجماعة لا ترى الآخر إلا في نفسها والتجربة في مصر كانت وتبقى خير مثال.
أطلقوا وعوداً وعهوداً ووقعوا على اتفاقات وحصلوا على دعم القوى السياسية والفعاليات وكسبوا بهذا الدعم الانتخابات البرلمانية، ومن لحظة الإعلان قادوا انقلاباً على وعودهم وتعهدهم بعدم ترشح إخواني للرئاسة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وبدافع من أردوغان جرت محاولات بناء الدولة الإخوانية، الأمر الذي فجر ثورة الإنقاذ التي أعادت الاعتبار لمصر دولة لكافة أبنائها.
فهل بمقدور هؤلاء إنهاء تبعيتهم لتركيا والخروج من تحت عباءتها؟ وهل بإمكانهم قبول الآخر المختلف معهم؟
هنا الإشكالية في الاستئثار والتبعية والارتهان في دوامة أردوغان.
الشرق الأوسط اللندنية