- إطلاق نار من طائرات الاحتلال "الأباتشي" شمال شرق البريج وسط قطاع
كنا على وشك النهوض مع بدايات تأسيس مجتمع حضاري، حيث عشنا وعاش شعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة ردحا طويلا تحت الاحتلال، لا دولة ولا قانون ولا نظام سياسي مثل باقي المخلوقات. واستبشرنا خيرا بنشوء أول سلطة فلسطينية وطنية تعيد الثقافة والهوية والنظام والقانون، حيث اكتسب الفلسطينيون طوال فترة هجرتهم في الشتات أو في جزء من الوطن خاصية الفلسطيني منفتح الذهن، والداعي إلى المحبة وتغليب القيمة الوطنية العليا على كل القيم والطموحات.
فماذا جرى لهذا الشعب؟
ما هي إلا سنوات توهمنا أنها بدايات صعبة وبها أخطاء هنا وهناك سيتخلص منها هذا المجتمع، فإذا بنا نؤسس لأكبر كارثة إنسانية تحل على جماعة من الناس يسمون أنفسهم شعبا يسعى للاستقلال والحرية واسترجاع كرامته بعد زمن الانتهاك المتواصل منذ بداية القرن العشرين.
كان مجتمعنا تحت الاحتلال يعاني من المحتل ومن بعض الظواهر السلبية، حيث يسعى الناس متضامنين بإرادتهم للإطاحة بالسيئين، فيتخلصون من كل ظالم سريعا.
بداية الحكم لبعضنا البعض كانت مفرحة للجميع كخطوة على طريق الاستقلال، فكيف تصرفنا؟ وكيف تصرف الحكام ؟!
كان المأمول أن تكتمل التجربة في الوطن لنسير إلى الأمام نحو الاستقلال، فإذا بنا نسير نحو مجتمع المصالح والفضائح، لتأتي سنوات عجاف لم يتصورها فلسطيني حمل قيمة عليا هي حب الوطن والنزوع للحرية وحلم بالإستقلال، وإذا بنا ننتج مجتمع كراهية وفساد ولصوصية وغسيل أموال، وقتل بعضنا البعض وإعتقال طلاب الحرية، فضاع الوطن والمواطن بسبب عباس وحماس، وتغيرت غاياتنا عما بدأنا به عند انطلاق الثورة وكل الإنتفاضات.
وإخترقنا السوس، فبدأنا بالواسطة والمحسوبية ومررنا بقادة وطن وأحزاب أصبحوا تجار عقارات وأراضي وإستثمار، وسرقة المال العام، وشراء الذمم، وإنتهينا بأن أصبحنا أدوات لدول أخرى قليل جدا من يبغي منها مصلحتنا، وإن استدعى ذلك حتى إزهاق أرواح أبنائنا، وتحول القادة إلى إجرام أكثر وحشية من عصابات المافيا ستدرس تجربتهم في أكبر معاهد الجريمة المنظمة لو كان هناك معاهد لهذا التخصص.
تغير الثوار والمجاهدون، وأصبحوا فاسدين ومفسدين، وبدلا من أن يأخذ هؤلاء القادة بيد المجتمع نحو جادة الصواب حفروا له حفرة العصبية والفئوية والشللية والمكاسب الذاتية، وأصبح الجاهل خبيرا يجد من يصدقه ويضعه في مركز اتخاذ القرار.
وانقسم الوطن وضاعت وحدتنا، ووجد السيئون أشباههم في السلطتين فكبرت شريحتهم وتحاصصوا حتى اشتبكوا على رغيف خبز المواطن الفقير الذي صادروا فرص عمله بشطحاتهم وإداراتهم الفاسدة.
حماس تطبق على رقاب الناس بالحديد والنار وتتحكم في مصائرهم ومصائر عوائلهم في غزة، وتحارب عندما تتضرر مصالحها، وتهادن عندما تنفرج مصالحها، وافقوا على إجراء الإنتخابات صحيح لكن ذلك لا يعفيهم من مسؤولية ضياع شعب غزة في السنوات الثلاثة عشر الماضية.
عباس يقمع الحريات ويعاقب الناس في قوت أطفالهم، ويقطع رواتبهم ويقلل خدماتهم، وقسم فتح، وغير قادر على استعادة غزة من حماس، وضاعت بإنقسامهم القدس.
الشعب يستجدي الذهاب للانتخابات من جديد ولا مجيب، فلماذا يستجيب عباس؟
ماذا يفعل الشعب المظلوم؟
هذا الشعب الميت الضرب فيه حرام، كل يغني على ليلاه ويأخذ جزءا من شعبنا رهينة، لا يريدون مصالحة ولا انتخابات، وهم سعداء في جناحي الوطن بالسلطة والجاه والهيلمان ولا يهمهم ضاعت القدس أم ضاعت الأجيال.
في رحلة الجهل بالقضية تضيع الدقائق والأيام والسنين ولا من صحوة ضمير لدى هؤلاء وهؤلاء، ديدنهم أحزابهم ومكاسبهم التي ضيعت كل شيء إلا كراسيهم، وحكامنا يعرفون السر فلو تحرر شعب فلسطين من خذلانهم فلن يجدوا هذا الرخاء، فالقائد أصبح من أغنياء الحرب يعيش في وضع مالي وترفيهي هو وأسرته أفضل من المواطن الأمريكي والأوروبي، فلماذا يتركون النعمة التي سقطت عليهم من السماء؟.. ولكن ليعلموا جميعا أن التاريخ لن يرحمهم بفزلكات الطفولة السياسية الغائب عنها مصلحة الناس والوطن.
لعبة الأطفال يتسلون بها زمنا ويتركونها، أما اللعب بالشعب والقضية فهي ليست للتسلية، ماذا تريدون من شعبنا يا حكام غزة وحكام رام الله؟
من يرجع الذي هاجر من بلادنا لأمه وأبيه قبل أن يغادروا الدنيا، من يوجد فرصة عمل لمئات العاطلين والخريجين والمتأخرين والمتأخرات على الزواج، من يعيد علاقات الناس الطبيعية بعد أن ركبوا الحزبية والدولار الكبير الذي أغناهم عن الأخ والصديق والجار وحتى إبن نفس التنظيم، من يعيد يوما ما سرقه السراق من مال الوطن ليتنعم هو ومن والاه، من يعيد أرضا نهبت، ومن يعيد ميتا أهمل في علاجه ولم يجد الدواء بسببهم، ومن يعيد للناس كرامة ديست من ذل السؤال؟!
أمامنا كشعب فلسطيني وبعد تعذر الحلول، حل واحد، هو أن يستعيد شعبنا وحدته وخلاصه من هؤلاء المحتلين والمتسلطين الظالمين الذين دمروا مستقبله بالقوة والثورة.
“هوشي منه” الفيتنامي الثائر حرر بلاده بالقوة من الحكام الفاسدين والإستعمار الأمريكي والإحتلال الفرنسي في ثورة واحدة، وضع الفيتناميون إرادتهم وحياتهم رهنا للتحرر والإستقلال مهما كان الثمن، فالشعوب لا تموت وانتصر الفيتناميون وتحررت فيتنام وشعبها وذهب الطغاة من الحكام وذهب الإستعمار والإحتلال إلى الجحيم.