ماذا سيحدث لو تمكن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان من فرض هيمنته على ليبيا عبر مذكرة التفاهم مع حكومة الوفاق الوطنى التى يترأسها فايز السراج، وتتحالف مع منظمات وميليشيات، يفاخر بعضها بسجله الإرهابى؟!
لو حدث ذلك فهو انقلاب استراتيجى فى موازين القوى داخل المنطقة بأكملها. هذا الرأى، سمعته من سياسى عربى بارز، زار مصر الأسبوع الماضى، وقابلته فى منزل أحد الأصدقاء، بصحبة مجموعة من الكتاب ورؤساء تحرير الصحف والفنان خالد النبوى.
هذا السياسى الكبير لديه معلومات ثمينة يسمعها من المصادر العليا مباشرة. وفى تقديره أن أردوغان يقوم بمغامرة كبرى، إما أن ترفعه لعنان السماء أو تخسف به الأرض تماما.
يقول هذا السياسى إن أهداف أردوغان من السيطرة على ليبيا متعددة، أولها تعويض خسارته الاستراتيجية فى سوريا، ثم ابتزاز أوروبا بزيادة الضغط عليها بورقة المهاجرين، وكذلك مناكفة ومضايقة مصر بورقة الاخوان ومضايقة اليونان وقبرص بورقة الغاز فى شرق المتوسط.
هو يقول إن لدى تركيا جيشا قويا، ويمتلك أسلحة حديثة، وله دور مهم فى حلف الناتو، وإن كان هذا الحلف بدأ يقلق كثيرا من السلوك الأردوغانى فى السنوات الأخيرة، ثم إن كل أوروبا تشعر أن أردوغان يبتزها فى عدة ملفات، وفى الشهور الأخيرة فقط هدد عشرات المرات بإرسال المهاجرين إلى أوروبا، إذا لم تعدل سلوكها معه، وتعطيه المزيد من مليارات اليوروهات!!
نجاح أردوغان فى تعويم حكومة السراج، التى صارت رهينة لديه، سيعنى أنه يحاصر أوروبا من الجنوب، مثلما هو يحاصرها من ناحية الشرق بورقة المهاجرين. هو يعرف تماما خطورة هذه الورقة وتأثيرها على الأوضاع الداخلية لغالبية القارة الأوروبية، خصوصا دورها فى تعظيم فرص اليمين الشعبوى الأوروبى، الذى يزداد دوره تعاظما فى الفترة الأخيرة.
وبالنسبة لمصر والمنطقة العربية، فإن ما فشل فيه الاخوان فى مصر، سيحاول أن يعوضه لهم عبر ليبيا. هو فشل فى منع الجماعة من السقوط فى مصر، وربما هذا يفسر سر هجومه الدائم والمحموم على الرئيس السيسى. ويعتقد أن تثبيت الإخوان وحلفائهم فى ليبيا، يمكن أن يمهد لعودة الإخوان مرة أخرى لحكم مصر، مستغلا بقايا التأثير الاخوانى فى المنطقة خصوصا حركة النهضة فى تونس ومشاركتها فى الحكم، والرهان على دور الجماعات الإسلامية السياسى فى الجزائر، ووجود الإخوان المؤثر فى الحكومة المغربية، وقبل هذا وبعده خزائن الاموال القطرية المنهمرة على الاقتصاد التركى واحلامه الاقليمية.
فى تقدير هذا السياسى العربى أن هيمنة أردوغان على طرابلس تعنى تهديده للأمن القومى المصرى بصورة مباشرة، حيث إن السيطرة على طرابلس وتثبيت حكم الميليشيات، ستقوده للسيطرة على بقية ليبيا، وبالتالى ستجد مصر أردوغان يتواجد على طول ١٢٠٠ كيلومتر هى حدودها مع ليبيا. يعنى ذلك أيضا حال حدوثه سيطرة أردوغان على إيرادات نفطية ليبية تزيد عن ١٧٠ مليار دولار سنويا، يريدها كى يكمل إقامة إمبراطوريته المتوهمة. وفى مرحلة لاحقة، يعتقد أنه قادر على اختراق السودان التى تعرض فيها لضربة موجعة، بعد سقوط عمر البشير، الذى أعطى له ميناء سواكن الاستراتيجى القريب من مصر.
من وجهة نظر هذا السياسى العربى أن هيمنة أردوغان على ليبيا ستجعل حكمه غير قابل للسقوط داخل تركيا قريبا، وسيزعم وقتها أن مغامرته قد نجحت، وستوفر لتركيا المزيد من النفوذ الخارجى، إضافة إلى تحويل ليبيا إلى مجرد سوق خلفية للاقتصاد التركى، والنفاذ منها إلى الأسواق الإفريقية، التى تنشط فيها الدبلوماسية التركية فى السنوات الأخيرة.
سيحاول أردوغان نقل كل المسلحين والمتطرفين والإرهابيين الموجودين فى المنطقة خصوصا العراق وسوريا إلى ليبيا، لدعم ميليشيات السراج أولا، وتهديد مصر والمنطقة، فى مرحلة لاحقة. وتقدير هذا السياسى أن تلك مهمة نقل الارهابيين ليست صعبة، بل ربما يكون قد تمكن من إرسال بعض هؤلاء بالفعل.
أردوغان يعتمد على منطق المغامرة. هو أجبر السراج على توقيع مذكرة التفاهم مستغلا ضعفه فى مواجهة حصار الجيش الوطنى، وحصل منه على صك التنازل عن السيادة على العاصمة. أردوغان يستغل تردد أوروبا وانقسامها، وانسحاب أمريكا من المنطقة، خصوصا بعد درس سوريا، وانشغال المنطقة فى همومها الداخلية.
هو قفز للأمام، محاولا فرض الأمر الواقع، وابتزاز الجميع، للحصول على جزء من غنيمة الغاز فى شرق المتوسط، وفرض نفوذه الإقليمى على المنطقة بأكملها الذى كان يريد تحقيقه بالسياسة فلما فشل، لجأ إلى القوة السافرة.
سؤال إذا كان أردوغان يتجرأ على اتخاذ هذه القرارات الخطيرة، فما هى الأوراق التى تملكها الأطراف الأخرى، كى توقف المغامرة الأردوغانية؟!. الإجابة لاحقا إن شاء الله.