البلاد تسير نحو «فاشية مظلمة» وعلينا استعادة الديمقراطية المفقودة، بهذه التصريحات عبر أعضاء حزب المستقبل، الذي أسسه رئيس الوزراء التركي الأسبق والعضو المؤسس في حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو، عن الأوضاع المأساوية التي وصلت لها تركيا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، وسبقهم إلى نفس الوصف زملاء داود أوغلو في تأسيس الحزب الحاكم مثل الرئيس التركي السابق عبد الله غول ونائب رئيس الوزراء علي باباجان، وتشير كل التقديرات إلى استعداد القاعدة الانتخابية للتحول عن الحزب الحاكم بعد التأكد من فشل أردوغان في الداخل، الأمر الذي دفع الرئيس التركي للهروب للأمام من خلال اصطناع بطولات وهمية في الخارج، فكيف تتراجع شعبية أردوغان؟ وما هي خيارات المعارضة التركية لمواجهة التنكيل والبطش من الحزب الحاكم؟
طريق أربكان
يبدو أن الرئيس التركي أردوغان يسير في نفس المسار الذي سار فيه أستاذه نجم الدين أربكان الذي أدت سياساته إلى اقتراب تركيا من الإفلاس، وهو السبب الذي قاد لسلسلة من الانشقاقات في الأحزاب التي أسسها أربكان بداية من حزب السلام الوطني والفضيلة، مروراً بحزب الرفاه وحتى حزب الفضيلة، فالاستعدادات على قدم وساق بين فروع حزب العدالة والتنمية للانضمام لأحزاب أحمد داود أوغلو وعلي باباجان، وهو الأمر الذي دفع الرئيس التركي لتهديدهم علنية بأنهم سيدفعون ثمن خروجهم من الحزب، وتشير كل التوقعات أن حزب العدالة والتنمية سيخسر الأغلبية في أول انتخابات رئاسية أو برلمانية سيتم تنظيمها ليس فقط لانصراف القاعدة الانتخابية عن أردوغان، بل إن حليفه في الحكم «الحزب القومي» برئاسة دولت بهجلي يعاني أيضاً من الانشقاقات والتفكك، وهو ما دفع أردوغان لسباق مع الزمن مع أجل ترميم قاعدته الانتخابية، لكن كل المؤشرات تقول إنه فات الأوان، فما هي تلك المؤشرات؟
نكسة متكاملة
منذ منتصف يوليو 2016 وشعبية أردوغان تتراجع بسبب اعتقال الآلاف من الشرطة والجيش والقضاة والموظفين والصحفيين بمن فيهم عدد كبير من النساء، وهو ما جعل من تركيا سجناً كبيراً وفق تقرير المحكمة الأوروبية، وربما الانتخابات البلدية الأخيرة التي فازت فيها المعارضة بكل المدن الكبرى مثل اسطنبول وأنقرة وأزمير خير شاهد على تراجع شعبية أردوغان، فالأرقام تؤكد أن شعبية أردوغان تتراجع يوماً بعد يوم، فعندما جرت الانتخابات البلدية في إسطنبول في 31 مارس الماضي فاز أكرم إمام أوغلو مرشح المعارضة على مرشح أردوغان بفارق 13 ألف صوت، وعندما رفض أردوغان هذه النتيجة وتم إعادة الانتخابات بعدها بثلاثة شهور عاد أكمل أوغلو ليفوز بفارق بـ800 ألف صوت.
كما أن ما حصل علية عمدة إسطنبول من أصوات يساوي ضعف الأصوات التي حصل عليها أردوغان في انتخابات إسطنبول عام 1992، وهذه النتائج تعتبر امتداداً طبيعياً لنتائج الانتخابات التي جرت منذ 2016، فالرئيس التركي مرر التعديلات التي حولت النظام السياسي من برلماني إلى نظام رئاسي خالص بفارق ضئيل، وتحدثت المعارضة عن تزوير الانتخابات ووضع أكثر من مليون صوت لترجيح موقف أردوغان، كما أن الانتخابات التشريعية التي جرت في 2018 حصل فيها أردوغان على أقل نسبة منذ وصوله للحكم عام 2002، ويتهم أحمد داود أوغلو وعبد الله غول وعلي باباجان وغيرهم الرئيس أردوغان بخيانة توجهات حزب العدالة والتنمية من حزب مركزي يحتضن جميع أطياف الشعب إلى حزب يتحالف مع القوميين، ويمارس الاستعلاء والغطرسة والإقصاء حتى لقياداته التي عملت معه وساعدته لفترات طويلة.
كما تعاني تركيا من انهيار حقيقي في الاقتصاد التركي وفق تقرير المفوض الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، حيث أشار إلى ظاهرة «الهجرة العكسية» للاستثمارات الأوروبية من تركيا لخارجها، وفقدت الليرة حوالي 31% من قيمتها عام 2019، وارتفعت معدلات البطالة والتضخم لمستويات لم تعرفها تركيا من قبل، وهو ما دفع أردوغان للهروب للأمام من خلال المغامرات الخارجية في شرق المتوسط وشمال سوريا والعراق، لكن هذه المغامرات أثرت سلبياً على شعبية أردوغان، فلا شك أن العقوبات الأمريكية والأوروبية ستؤثر على الاقتصاد التركي الهش، كما أن استهداف الأكراد في سوريا يحرم أردوغان من أصوات أكثر من 20 مليون كردي في تركيا.
بالفعل نحن أمام بداية النهاية لمشروع قام على الخداع السياسي واللعب على المتناقضات، وها هي شعبية أردوغان تتلاشى في مؤشر على أن تركيا تختار طريقاً جديداً بعيداً عن التوترات ودعم الجماعات الإرهابية والمتطرفة.