لعل التساؤل الذي يتردد دائماً، لماذا لا ينتفض الفلسطينيون في القطاع والضفة؟ لعل الإجابة القاطعة لأن ثورتهم الحقيقية تستهدف إنهاء الاحتلال. وهذه ثورة الشعب الفلسطيني تاريخياً ومنذ وعد بلفور وحتى من قبله، وهو ينتقل من ثورة إلى ثورة، مروراً بالثورة الكبرى عام 1936 وصولاً إلى ثورتهم اليوم التي امتزجت بالسلطة والحكم، فأفقدتها روحها الثورية. حيث الفقر والبطالة، وشعب جله يعيش تحت خط الفقر ونسبته الكبرى في غزة المحاصرة التي تتنفس أوكسجيناً بطعم الاختناق والتسمم. هذه الأسباب كافية لأن يقوم الشعب، وهو الأكثر خبرة ودراية وتأهيلاً من غيره من الشعوب العربية، ويثور، ومعنى ذلك، أننا في حاجة لثورات عديدة، ثورة في الضفة الغربية، وثورة في غزة، وتبقى الثورة الرئيسية، وهي ثورة إنهاء الاحتلال، مغيبة.
وقد يتساءل البعض من جديد، ولماذا لم يتحركوا؟ الواقع أن هناك مسيرات شعبية وتحركات كثيرة قام بها الفلسطينيون، سواء في الضفة الغربية وغزة وحتى في الداخل. وقد تكون الوسائل الأمنية القمعية القوية التي يلجأ إليها الاحتلال أحد الأسباب الرئيسية لإجهاض أي تحرك شعبي، لكن الحقيقة أن هذا الشعب لا تنقصه القدرة ولا الإرادة على الحراك، وركل كل أشكال الفساد والقمع. هناك أسباب أخرى لا تقل خطورة، لا بد من الإشارة إليها، وهي الانقسام السياسي والفصائلي والمجتمعي الذي يعانيه الشعب الفلسطيني اليوم. ورغم ذلك فالشعب يعبر عن حراكه أحياناً بالصمت، وأحياناً بالاحتجاجات، وبالرأي والنقد عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وأحياناً كثيرة بالانتحار، وهي رسالة لها تداعيات خطيرة تحمل في مضمونها رفض الفقر والبطالة، وانسداد آفاق الحياة.
كل هذا لا يعني ألا تأتي الفرصة والوقت الذي ينتفض فيه الشعب الفلسطيني بكامله، ويعلن نهاية كل فساد، ونهاية الانقسام. وهذا هو الدرس الذي ينبغي أن تستوعبه السلطة في الضفة وحكم الأمر الواقع في غزة. اليوم في غزة مسيرات العودة التي دخلت عامها الثاني.. أليست رسالة وصورة رائعة لثورة الشعب الفلسطيني وبوصلته السليمة نحو إنهاء الاحتلال والحصار؟! وعند الحديث عن ثورة الشعب الفلسطيني، من الخطأ تجزئة هذه الثورة، ونقول هناك ثورة في الضفة وأخرى في غزة، هذا تجسيد للانقسام غير مقبول لثورة حقيقية، ثورة شعب واحد. والهدف في النهاية لأي ثورة هو الوصول إلى سلطة مدنية شفافة ممثلة للشعب، وحيث ليس لنا دولة، فالبديل سلطة لها مقومات الدولة المدنية الديمقراطية، تعمل على استئصال الفقر، وتوفر فرص العمل، وتعامل الكل من منظور المواطنة الواحدة وليس المواطنة المتعددة والمتمايزة، كأن نقول: «مواطنو الضفة أو غزة أو مواطنو فتح ومواطنو حماس».
الثورة الحقيقية التي تنتظر الشعب الفلسطيني هي الثورة الديمقراطية، وثورة الانتخابات. وإذا كانت الثورة الأولى قد تقود لآلاف الشهداء. الثورة التي نريدها هي ثورة التغيير السلمي الديمقراطي عبر الانتخابات النزيهة والشفافة والتي من خلالها يقول الشعب كلمته ويعبر عن مطالبه، ويقوم من خلالها بتغيير من يريد تغييره. هذه الثورة هدفها سلطة جديدة، وقيادة جديدة، وبناء نظام سياسي ديمقراطي يليق بنضال الشعب الفلسطيني، وفي حال نجاح هذه الثورة، فإنها ستقود بالتأكيد للثورة النهائية الثانية لإنهاء الاحتلال، بما يتوافق عليه الشعب الفلسطيني من خيارات، وعندها سيقف كل العالم مع ثورة الشعب الفلسطيني الديمقراطية. هذه الثورة التي ينبغي أن يخرج كل الشعب فيها في يوم واحد وفي لحظة زمنية واحدة، فإما ندخل عصر البناء السياسي والتحرر وبناء الدولة، وإما نعود لعصور من الجهل والضياع. فنحن الآن أمام خيار صنع المستقبل بكل آماله، أو العودة للماضي بكل مآسيه ومعاناته. ثورة سيكتب لها البقاء للشعب الفلسطيني، أو ثورة ينتحر فيها كل الشعب الفلسطيني.
الخليج الاماراتية