الكوفية:يبدو أن التفاعل السياسي الفلسطيني لا زال محصورا في السلوك التقليدي: الذي قرره "تحالف الرئيس" محمود عباس منذ ان تولى منصبه عام 2005، بعدم فتح الطريق لأي تحركات شعبية حقيقية ضد السلطات الاحتلالية، أي كانت درجة الضرورة السياسية لها، وقد كان نقل السفارة الأمريكية الى القدس واعتبارها عاصمة للكيان، كان معيارا لقياس طبيعة "الغضب" حجما وفعلا، فكانت النتيجة لا شيء، رغم "الغليان الكلامي الحاد"، الذي حمل تهديدا بـ "حرب شاملة".
ومر القرار بهدوء اثار استهجان أصحابه، حيث حساباتهم كانت مختلفة، لتمرير الخطوة الأولى في صفقة ترامب، وبعد عام وقليل أعلنت الإدارة الأمريكية خطوتها الرئيسية الثانية لنفيذ الصفقة على طريق ترسيخ "المشروع التهويدي" في الضفة الغربية، بعد القدس، بـ "إعلان بومبيو" حول اعتبار المستوطنات شرعية وبالتالي ستكون جزءا من "دولة اليهود" التي أقرها الكنيست الإسرائيلي.
قرار "شرعنة الاستيطان" يمثل من ناحية سياسية خطوة أكبر من قرار القدس، ليس من حيث المسمياتـ، بل من حيث حصار المشروع الوطني الفلسطيني، على طريق توجبه ضربة قاتلة له، ليتم تحويله من "مشروع كياني وطني" نحو دولة فلسطينية، الى مشروع "محميات سكانية، ضمن حدود 40% من الضفة الغربية " تحت السيادة – السيطرة الإسرائيلية، ومنح قطاع غزة بعدا "استقلاليا" خاصا، ويتم لاحقا البحث في كيفية التواصل بين "محميات الضفة" و"كيانية غزة"، وليسمى ما يسمى، ما دامت السيادة – السيطرة الإسرائيلية ستكون واقعا على غالبية الضفة وخاصة منطقة الأغوار.
القوى السياسية الفلسطينية، من فتح بمكوناتها الى حماس، عليها ان تدرك جوهر خطورة القرار الأمريكي، بأنه المعركة الكبرى التي تستحق الفعل، وأن "المواجهة" الفعلية هي واجب دونه لا مستقبل لأي مشروع وطني، ويصبح الطريق سالكا جدا لتحقيق "الحلم الصهيوني" ببيناء مشروعهم وتدمير مشروع الشعب الفلسطيني.
كل يوم يمر دون فعل هو نصر للمشروع المعادي، وشراكة عملية بتنفيذه، ولذا يصبح لزاما أن تنقتل "حركة المقاومة اللغوية" الى حركة فعل شعبية تعيد الاعتبار لروح الثورة والغضب الانتفاضي، مستفيدين من كل الدروس السابقة.
الطاقة الكفاحية للشعب الفلسطيني اعلى كثيرا من "مخزونها" القيادي الرسمي، الذي قد يعرقل ذلك الفعل، لكن منذ متى يمكن أن يتم طلب "ترخيص" للمقاومة الشعبية ضد محتل، لا يقيم وزنا لمن لا يسدد له الضربات الموجعة ردا على ما يقوم وينفذ، ليس إجراءات فحسب، بل تدمير لأسس الكيانية الوطنية الفلسطينية وهويتها المستقلة.
وليت قوى قطاع غزة، والتي جميعها تقريبا لها وجود في الضفة الغربية والقدس، تعيد النظر كليا في مسيرات كسر الحصار، وتعلن رسميا وقفها والبدء في التحضير العملي لانطلاقة "انتفاضة شعبية" في الضفة ردا على المشروع التهويدي وحماية للمشروع الوطني، وليعلن ذلك صراح دون أي لغة استهبالية.
سيكون أكثر قيمة وطنية وجدوى سياسية نقل الفعل، ولو بنسبة أقل مما هي في مسيرات غزة، الى الضفة والقدس، لكنها مسيرات متواصلة متحركة في الضفة بكل مدنها وبلداتها، والبحث في كيفية حصار المستوطنين وحركتهم على الطرق الرئيسية، وهي أحد المفاتيح التي يجب العمل عليها.
حراك شعبي حقيقي هو الوسيلة العملية الأهم لحماية ما يمكن حمايته من "بقايا مشروع" قبل أن يتم تآكله، وقطعا لعملية فرض السيادة – السيطرة على غالبية الضفة ومنها منطقة الأغوار.
بات لزاما أن تتحكم الحركة الوطنية في "العمالة الفلسطينية" داخل المستوطنات، ويتم التعامل معها باعتبارها شكلا من "اشكال التعاون مع عدو"، باعتبار أن الشعب الفلسطيني يخوض حرب الدفاع عن "الكيان"، والبحث عن سبل تعويضهم ضمن صندوق خاص.
بالتأكيد، بات ضروريا جدا، ان يعيد الرئيس محمود عباس مجمل سياساته الداخلية والعربية والدولية، لخلق "قيادة فعل" وليس "قيادة كلام"، وأن يذهب بشخصه في جولة عربية لكل الدول دون استثناء لفتح صفحة دعم، فالمشروع وحمايته أكثر أهمية تاريخية من "خصومات ذاتية".
كل "مقومات المواجهة" مكتوبة ومعلومة ولا تحتاج سوى لإرادة خاصة من الرئيس عباس وحده دون غيره، بيده مفتاح "المواجهة الكبرى" وبقلمه "مفتاح قتلها" وخدمة مشروع تصفية "الحلم الوطني"، وتأجيله ليوم ما قد يطول!
الوقت لا يتيح كثيرا من ترف التفكير والبحث عن تفكير ما سنفكر فيما سيكون.
ملاحظة: الكونغرس الأمريكي "المنطقة الوحيدة" في عالمنا الذي يشهد حراكا فعليا ضد "إعلان بومبيو – بلفور 2"...ولا هيئة رسمية عربية أو فلسطينية تعمل لمحاصرة ذلك القرار التدميري...يااااااا على وكستنا!
تنويه خاص: الثقافة الداعشية في غزة تستبدل النشاط الداعشي العسكري، تحت سمع وبصر "حكومة حماس" و"صناع القرار" كما قال رئيسها هنية...الصمت خطر كما أصحاب الدعوات التكفيرية...هل تستيقظ القوى المعادية لـ "الدعشنة"!