على مدار الشهور الماضية، لم تتوقف «إسرائيل» لحظة واحدة عن إطلاق التهديدات بالعودة إلى سياسة الاغتيالات لنشطاء المقاومة في قطاع غزة رغم اتفاقات التهدئة التي كان يتم توظيفها في خدمة أهداف سياسية معينة، وها هي تجد الفرصة سانحة لتحقيق أهداف ومآرب أخرى.
التصعيد «الإسرائيلي» المتعمد، الذي جاء عقب تمهيد سياسي (المجلس الوزاري الأمني المصغر) وحتى إعلامي صريح، حيث نشرت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» مسبقاً تقارير بالاسم حول الشخصية المستهدفة (بهاء أبو العطاء) ووضعته من حيث الخطورة بجانب نصر الله زعيم «حزب الله» اللبناني وسليماني قائد الحرس الثوري الإيراني، يطرح تساؤلات كثيرة حول توقيت عملية الاغتيال. إنها أكثر من العملية بحد ذاتها، باعتبار أن الاغتيالات سياسة قديمة متجددة في الفكر والممارسة «الإسرائيلية». فالعملية المزدوجة التي خطط لها بعناية، والتي جرت في التوقيت ذاته في كل من غزة ودمشق، كانت أيضاً تستهدف تحقيق هدف مزدوج، الأول توجيه ضربة قاصمة لفصيل فلسطيني معروف بأنه من أكثر الفصائل إزعاجاً بالنسبة ل «إسرائيل» ويعمل دائماً على تطوير قدراته الصاروخية والتسليحية، والثاني، وهو الأهم في هذا التوقيت، استثمار نتائج العملية في المعركة الداخلية والصراع الدائر حول تشكيل الحكومة الجديدة.
فمن ناحية، تعتبر العملية أولى ثمار تعيين نتنياهو اليميني المتطرف نفتالي بينيت وزيراً للحرب، بما يعنيه ذلك من مكسب كبير لنتنياهو الذي يسعى لرص صفوف اليمين واليمين المتطرف تحت قيادته في مواجهة الجنرال بيني جانتس الذي كان يحاول اختراق صفوف هذا اليمين لتشكيل حكومة ضيقة بعد أن فشل في الاتفاق مع «الليكود» حول تشكيل حكومة ائتلافية موسعة، وباتت «إسرائيل» ذاهبة حكماً نحو إجراء انتخابات ثالثة خلال أقل من عام. لذلك فقد سارع نتنياهو إلى تبني العملية، لإقناع اليمين بأن الأمن «الإسرائيلي» مرهون ببقائه على رأس السلطة في إطار قيادته لتحالف اليمين والأحزاب الحريدية (الدينية المتشددة). وبطبيعة الحال، لا يملك الجنرال جانتس سوى الترحيب بهذه العملية حتى وإن نسبت إلى خصمه، باعتبار أن الأمن «الإسرائيلي» يمثل «خطاً أحمر» ويوضع فوق كل اعتبار للقوى والأحزاب «الإسرائيلية».
في كل الأحوال، ورغم أن العملية «الإسرائيلية» حققت نصف نجاح، حيث نجحت في غزة وأخفقت في دمشق (محاولة اغتيال أكرم العجوري)، إلا أنها فتحت الباب على كل الاحتمالات، إذ من المؤكد أنه سيكون هناك تصعيد فلسطيني بالمقابل، وأن الرد قادم لا محالة، لكن لا أحد يمكنه التكهن حول ما إذا كان هذا الرد سيتطور إلى حرب جديدة، كما لا توجد ضمانة لعدم ارتداد مغامرة نتنياهو عليه وانقلاب الأمور لصالح خصمه جانتس، باعتبار أنه يقود «إسرائيل» في توقيت ربما يكون غير مناسب لحرب أخرى، هدفها الأول والأخير خدمة مصالحه الشخصية فقط.
الخليج الاماراتية