لم يكن عدم الرد الإسرائيلي الواسع على الرشقات الصاروخية الغزية قبل أيام، أنها ذهبت الى "حكمة" ما أو أن واقع حالهم يقيدهم بعمل عسكري ما، ففي حينه بدأت المؤشرات تتجه الى عمل أمني مختلف عن القصف الموسع كي لا تجلب "ردا" موسعا.
فجر 12 نوفمبر 2019 تمكنت يد إسرائيل الطولى من اغتيال قائد من سرايا القدس في غزة وقصف منزل قيادي آخر في قلب العاصمة السورية دمشق، فتركت اثرا باغتيال نجله، في عملية استعراضية نادرة، بقصف متزامن في بلدين فلسطين وسوريا.
العملية الإرهابية الإسرائيلية حملت عدة "رؤوس سياسية – أمنية"، حيث تمثل رسالة صريحة انها لا تقيم وزنا لأي "تفاهمات"، ما دام الأمر يتعلق بمصلحتها، اعتقادا أن ضربتها يمكن استيعابها عبر حركة تطويق خاص، أو امتصاص أي رد فعل عسكري غزي، دون أن تذهب بعيدا لفتح "جبهة عسكرية".
بالتأكيد، ستكون حركة الجهاد وقائدها زياد النخالة، امام حركة امتحان صعب جدا، حيث الصمت ليس سمة لهم، والتصعيد اللا محسوب سيكون قراءة لها وعليها، ومن هنا تبدأ حسابات "مركبة"، تتداخل فيها عناصر ليست غزية فحسب، بل بعضها إقليمي، والعنوان الأول مصر حيث هي الراعي الأول لحركة التفاهمات القائمة.
إسرائيل، بعمليتها "المزدوجة"، ستختبر موقف حركة حماس وتهديدات رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، التي أطلقها قبل أيام لا غير بأن حركته تمتلك 60 ألف صاروخ وقوة قادرة على قصف مراكز في قلب تل أبيب، وتبقيها تحت "الإنذار الدائم 6 أشهر"، رسالة لن تمر مرورا عابرا، حيث صمت حماس على عدم التضامن مع "الشقيقة" الجهاد بأي ذريعة كانت، سيمثل هزيمة سياسية – أمنية لها، بل ويفتح باب "التشكيك" الكلي في حقيقة مواقفها ليس في القدرة العسكرية، بل بالمشهد السياسي.
وبقصفها العاصمة السورية لاغتيال قيادي في الجهاد، تجاوزت بعدها "المحلي"، لتضعها في سياق إقليمي، وأول اختبار عملي لكل التهديدات التي أطلقها "تحالف إيران" من طهران مرورا باليمن وأخرها تصريحات حسن نصرالله، الذي تفاخر بـ "محور المقاومة"، حيث قصف دمشق يستهدف مقياس حقيقة "التهديدات" التي انطلقت بلا حساب، وهو قصف ليس لمسؤول فلسطيني بل لعاصمة عربية ترتبط بتحالف عسكري كامل مع محور إيران، ولذا فالعملية لها بعد لقياس حقيقة ما يقال.
الجهاد كفصيل لن تترك دم شهيدها وكرامتها تمر مرورا عابرا، فهل يمكن احتواء ما سيكون، أم ان الأمر سيذهب الى مكان يصبح فيه السيطرة أضعف، خاصة لو أوفى حزب الله بوعده أن يكون جزءا من محور الفعل والرد على العدوان، إن لم يكن من أجل "حليف جهادي" فليكن دفاعا عن التطاول على دمشق.
حكومة نتنياهو "المرتعشة" سياسيا بالداخل الإسرائيلي، وجدت ضالتها مع تسمية أحد اقطاب الحركة الفاشية الإرهابية وزيرا للجيش، للقيام بعملية أمنية مركبة، يمكن لها ان تقطع الطريق على تشكيل حكومة "بديلة"، بدعم من القائمة المشتركة، وهو هدف مركزي من أهداف نتنياهو وتحالفه، رغم أن البعض الفلسطيني سيذهب الى عدم الاعتراف بذلك، اعتقادا أن "الأمن" له حسابات مختلفة، وهو كلام غير دقيق.
العملية الإسرائيلية متعددة الروس السياسية هل تمر بلا ثمن...هل يمكن استيعابها ضمن "رد محسوب" مسيطر عليه، تعطي كل طرف بعضا ما يقول انه حقق ما وعد...المواجهة مفتوحة، ولكن لن يخرج الجميع رابحا أي كانت "المبررات"!
ملاحظة: خطاب نصر الله يوم 11 نوفمبر، وتجاهله لذكرى استشهاد الخالد ياسر عرفات تكشف حجم "الحقد الفارسي" على قائد أطول مواجهة عسكرية مع العدو القومي...أي عمامة لبست لن تخفي ذلك.. لكن البعض الفلسطيني يتقزم أمام مصلحة لا أكثر!
تنويه خاص: من سخرية المشهد الرسمي في سلطة رام الله ان يدعي المعين بغير حق في منصب النائب العام أن حرية الرأي مكفولة بالقانون...طيب مين اللي مخوزق القانون يا كروم!