كان الموقف المصري واضحاً، أثناء زيارة جاريد كوشنير صهر الرئيس ترامب ومندوبه المكلف بتسويق صفقة القرن، ومعه المستشار غرينبلات. ففي يوم الخميس المنصرم 21 يوليو، طار الموفدان من القاهرة الى العاصمة القطرية الدوحة، واجتمعا مع الشيخ تميم بن حمد، الذي أفاض إعلامه في التقول على الدولة المصرية والإدعاء عليها بأنها ضالعة فيما يسمى "صفقة القرن". فقد تحدث وزير الخارجية المصري سامح شكري بصراحة، بُعيد اللقاء مع الطرف الأمريكي، وأكد على المؤكد في الموقف المصري، وهو التمسك بالمرجعيات الدولية، وعدم التماشي مع الأطروحة التي يمكن أن توضع قيد التداول، من وراء الخارجية الأمريكية نفسها، وهي منسوبة الى رئيس الولايات المتحدة المتطابق في نوجهاته السياسية وعاطفته، مع توجهات وعاطفة نتنياهو!
انتظرنا، بعد زيارة الموفدَيْن الى قطر، تصريحاً أو بياناً يؤكد على المؤكد، فلم يصدر تصريح أو بيان، سوى القول إن الاجتماع في الدوحة، استعرض علاقات التعاون الوثيقة بين دولة قطر والولايات المتحدة في مختلف المجالات، وأن النقاش تركز على سبل تقديم المعونة الإنسانية لقطاع غزة!
النظام في قطر، يعرف أن جوهر المسألة هو القضية الفلسطينية التي يريد الموفدان ورئيسهما تصفيتها وتكريس احتلال القدس، وليس جوهرها المعونة الإنسانية الى قطاع غزة. وليس هناك أكثر جفاء من الأمريكيين حيال المعونة الإنسانية، والدليل موقفهم من وكالة غوث وتشغيل اللائين الفلسطينيين "أونروا". فالمعونة التي يتحدث عنها الأمريكيون ومعهم الحكومة الإسرائيلية، هي المعونة المسمومة، والمسائل كلها واضحة. أما غير الواضح وغير المنطقي، فهو تجاوب البعض مع إشارات الإدعاء على الدولة المصرية، التي تثابر على تخليقها وسائل الإعلام القطرية والأردوغانية والإخوانية الممولة مع الدوحة وأنقرة، وهي لا تستند الى أي دليل. وللأسف، إن مثل هذه الإدعاءات لا تفعل شيئاً سوى نشر الإحباط. فالصفة إن طُرحت، ستنهار في يومها الأول، والرئيس ترامب ليست له صدقية في شيء، لا في السياسات الدولية ولا في السياسات الخارجية. فإن كان المحرضون على مصر، ومن يصدقونهم يتخيلون أن مثل هذه الثرثرات، من شأنها إسقاط نظام الحكم في مص بهذه الثرثرات، فإنهم واهمون. إن الرئيس الأسبق السادات، فاجأ المصريين والعالم في نوفمبر 1977 بزيارة إسرائيل، ولم يسقط نظامه، وإن كانت مجموعه أصولية متطرفة قد إغتالته بعد أربع سنوات لأسباب داخلية معطوفة على صراع الدولة المصرية مع الإرهاب الإسلاموي والمجموعات المتطرفة. ففي يوم سفر السادات الى إسرائيل، لم تكن أوضاع مصر والإقليم قد وصلت الى الحال التي أصبحت عليها اليوم، أما الوضع في إسرائيل، فقد كان منذ مايو 1977 يشهد صعود "الليكود" الأكثر تطرفاً، برئاسة مناحيم بيغن. قُتل السادات في أكتوبر 1981 واستمر نظامه الى يوم إطاحة الرئيس مبارك في فبراير 2011. لذا لا وجاهة للرهان على إسقاط نظام حكم في بلد كمصر، بحملات إعلامية تعتمد منهجية كيدية بخليط من الكذب واستغلال بعض الحقائق في السياسات الإقتصادية، يراها المصريون قاسية ويراها مخططو الإقتصاد ضرورية للإصلاحات الهيكلية!
ما يهمنا في هذا السياق، هو الرأي العام الفلسطيني، الذي لم يعد في حاجة الى المزيد من الخصومات المُضنية. فالخصومات داخل هذه الساحة تكفي، ولا معنى منطقياً، لتحميل الجوار العربي أسباب محنتنا في الداخل. فنحن نعرف أن فلسطين الموحدة والمنسجمة مع نفسها، هي وحدها القادرة على معالجة مشكلاتها التفصيلية مع النظام العربي. وواجبنا ألا ننساق مع أقاويل عن تواطؤ هذا النظام مع الأمريكيين ضد القضية لتصفيتها. إن خصومة "الإخوان" مع الدولة المصرية لا تعنينا. فعندما تسلم هؤلاء الحكم في مصر، لم يقولوا جملة واحدة تتعلق بموقف جذري من الصراع مع إسرائيل، وأكدوا على التزامهم التسوية المنجزة، وهنأوا إسرائيل بذكرى قيامها، ولا يبتعد الموقف في الدوحة وأنقرة عن هذا السياق. وبالعكس كانت مخرجات اجتماعات كوشنير وغرينبلات في تركيا وقطر، لا ترقى الى ما عبرت عنه مصر بعد اجتماع القاهرة تأكيداً على الحق الفلسطيني وعروبة القدس. فالإدارة الأمريكية موصولة بالجميع، والمسافات تتساوي لكن المواقف تختلف!