بالتأكيد لا يوجد مفاجآت بنشر خبر لقاء جهاز المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) أرغمان، ورئيس سلطة الحكم الذاتي المحدود محمود عباس، في مقره بالمقاطعة، فهي علاقة مفتوحة، متواصلة، وعباس شخصيا يفتخر بها، بل يرى توافقا مع رئيس مخابرات دولة الاحتلال بنسبة تصل الى التطابق الكلي منقوصة 1% فقط.
لعل المفاجأة هي عدم نشر وسائل إعلام عباس الرسمية والحزبية، ذلك الخبر، رغم "الصداقة الحميمة"، ربما خجلا سياسيا وعدم تجهيز "التبرير الكاف" لذلك اللقاء، في ظل محاولة تلك الوسائل، أن تصنع من عباس "بطلا" في مواجهة الرئيس الأمريكي، لكنه لا يجرؤ على رفض طلب لرئيس "الشاباك" الإسرائيلي.
اللقاء، جزء من مسلسل علاقة خاصة، لكن الحديث جاء في سياق "محاولة إنقاذيه" من أرغمان، لبحث سبل انهاء "أزمة أموال المقاصة"، وانعكاس ذلك على الوضع الأمني العام في الضفة والقدس، خاصة بعد أن تمكن الشاباك والمخابرات الأمريكية بإقناع دولة قطر بمنح سلطة عباس دعما وقرضا ماليا، قد لا يتكرر ثانية، وعدم استجابة الدول العربية لمنحه "شبكة أمان" مالية، غير ما تدفعه رسميا وفقا لقرارات سابقة، لعدم قناعتهم بصواب قرار عدم استلام "أموال المقاصة".
بالتأكيد، من الصعب على غالبية الدول العربية ان تقدم أموالا مضافة، مع فتح ملفات فساد تمت بموافقة الرئيس عباس شخصيا، فيما عرف بملف "فساد رواتب الوزراء ومن هم بدرجتهم"، وصرف موال خاصة لشراء سيارات وتحسين أوضاع شخصية، ومعها ملفات بدا نشرها عن فساد عميق عند شخصيات مركزية في فريق عباس، ولم يقدم على اتخاذ أي خطوة للتحقيق فيما تم نشره، مكتفيا بالنفي حينا، واتهام الناشرين للفضائح بفتح "قضايا ثانوية" امام صفقة أمريكا (اعتراف مبطن بوجود الفساد خلافا للنفي الرسمي).
لقاء أرغمان، مع رئيس فتح (م7) وسلطة الحم المحدود، بذاته خطيئة سياسية، لدوره المباشر في كل ما يتعلق بمطاردة الشعب الفلسطيني عامة، والضفة والقدس خاصة، وبعد أيام فقط من قيام قوات جيش الاحتلال بمهاجمة مقر "الأمن الوقائي" رغم "الخدمات الجليلة" التي يقدمها للأمن الإسرائيلي في ظل التنسيق الأمني، وكان على الرئيس ان يطلب اعتذارا رسميا وعلنيا، قبل أي لقاء مع الجهاز الأمني الإسرائيلي، لكن "الكرامة الوطنية" تصبح ثانوية مع لقاء رئيس مخابرات دولة الاحتلال.
ما يهم مخابرات العدو، هو كيفية استمرار أجهزة أمن سلطة رام الله، في تقديم خدماتها ضمن رابطة "التنسيق الأمني" مع الأمن الإسرائيلي، نظرا لما في ذلك من خدمة لا تقدر بثمن، ولذا فأرغمان له مصلحة مباشرة بعدم تعرض أجهزة أمن "سلطة الحكم المحدود" لأزمة مالية ما تجبر الأمن الإسرائيلي على "سد الفراغ" الذي سينتج حال عجز تلك الأجهزة عن أداء مهامها التنسيقية.
أوراق أرغمان عديدة عند مفاوضته عباس، لكنه لن يذهب بعيدا في استخدامها في الوقت الراهن، لذلك يتصرف وفق الممكن السياسي – الأمني، بين ترغيب وتهديد، وبحث بدائل كي لا يحدث هزة مالية تربك الأمن الإسرائيلي.
قد يبدو من الصعب الآن على عباس استلام أموال المقاصة منقوصة، بعد الحملة الإعلامية الواسعة لتمرير تلك الخطوة، وكأنها عمل كفاحي مميز، يحاول فريق الرئيس خلق "شعبية متدهورة جدا" من وراء ذلك الموقف، والذي هو عمليا ألحق ضررا بالشعب وليس عكسه، ولذا قد نشهد في المرحلة القادمة "صيغا" جديدة لتمرير الأموال الى خزينة السلطة عبر "محرم سياسي".
لن تقف الأفكار عاجزة عن إيجاد ذلك، وقد تكون قطر هي ذلك "المحرم السياسي" بحيث تنقل الأموال لها وتقدمها الى حكومة عباس على شكل قروض ومساعدات، الى فترة معينة، وقد نشهد بعد عقد "ورشة البحرين" تطورات متسارعة جدا في علاقة المنظومة القائمة...
أرغمان لا يذهب الى المقاطعة "لتبادل الآراء"، فهو رجل أمن وليس صاحب قرار سياسي، ولذا زيارته لن تذهب سدى...وقادم الأيام كاشف لما كان بها...لكنه حتما لن يكون لصالح فلسطين القضية والشعب!
ملاحظة: إذا كان كل من سيشارك في "ورشة البحرين" خائن، كما قال "الجعجعاني"، هل يعني ذلك أن عباس وسلطته ستقاطع السعودية والأردن ومصر وكل من سيذهب الى المنامة...سنرى قريبا، الأهم كيف سيكون حال الجعجعاني لو ما صار شيء!
تنويه خاص: لبنان رسميا كرس الانقسام السياسي – التمثيلي، دون غضب من "الممثل الشرعي الوحيد"، حيث استقبل وفدين في ذات الوقت أحدهما ممثل السلطة وآخر حماس وتحالفها...والفضيحة أن الطرفين قالا إنهما موحدان ضد "صفقة ترامب"...في عار أكثر من هيك!