الكوفية:من دواعي المنطق، أن يمر واحدنا سريعاً ودونما اهتمام، على قرار منظمة الشرطة الجنائية الدولية (إنتربول) رفض طلب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وضع الشارة الحمراء على إسم النائب الفلسطيني المنتخب محمد دحلان، توطئة لملاحقته. فمحاولات عباس الكثيرة، النيل من النائب دحلان، باتت في موضع التندر، لا سيما بعد أن فشلت حتى المحاكم التي تأتمر بإمره، في تأسيس أية قرارات اتهام ضد الرجل، استناداً الى ثرثرات عناصر لا زالت تخشى حضور دحلان في المشهد الفلسطيني، وتتوهم أنها ستكون قادرة على إقصائه بــ "شرعية" الفرد دون المؤسسات!
قبل أن يطلب عباس من الإنتربول ملاحقة دحلان، لم يكن يجهل أن صيغ عرض القضايا الجنائية، حتى وإن كانت مكتوبة لمسرحيات كوميدية أو شرائط في السينما؛ تتطلب الإجادة واتزان المنطق. فالمحاكمات في السينما، كانت تراعي قوة النصوص وبراعة الأداء في المشاهد التمثيلية، لذا ظلت تجذب المشاهدين، محاكمات الأفلام، سواء حسب نظام المغارمة في القانون العام الشائع، أو حسب ما يُسمى نظام التمحيص الذي تتولى فيه المحكمة دراسة حيثيات الإدعاء، قبل أن تستدعي متهماً، لكي تحدد ما إذا كانت القضية حقيقية، أم نوعاً من المكيدة. فلغة القضاء لا تحتمل التلفيق ولولا إجادة كُتاب السيناريو، لما استطاعت أفلام السينما التي تعرض مشاهد التقاضي، اجتذاب انتباه الجهور والتأثير في عاطفته!
كل هذه الأمور يعرفها عباس، ويعلم أن ليس هناك جدوى من محاولات تجنيد المنظمات الدولية لصالحة، على أصعدة الشرطة الجنائية والشفافية والحقوق الإنسانية وغيرها. فهو الذي يصلح زبوناً لمثل هذه المنابر والأقفاص وليس غيره. كذلك يعرف أن لا جدوى من محاولات توسيع دائرة تصفية الحسابات الداخلية مع خصومه، والذهاب الى المنابر الدولية، والإنشغال على هذا الخط، بينما فلسطين تتعرض للهجوم من عدة خطوط وتتهدد قضيتها مخاطر مصيرية. لذا يتوجب السؤال: لماذا يقبل الرجل تعريض نفسه وسلطته الى الحرج تلو الآخر، والى النقد الشعبي الفلسطيني تلو الآخر، وهو يدرك تماماً أن مسعاه يفتقر الى المنطق، وسيأخذه الى موضع النقد والحرج والسخرية؟!
ليس هناك تعليل لمحاولات عباس المتكررة في هذا الإتجاه، سوى أن الرجل يبيع الموقف للقطريين المعنييين بجعل كل من يمت بصلة لدولة الإمارات العربية المتحدة، عدواً لدوداً لهم، يعملون على جعله في موضع الدفاع عن نفسه، في حال اكتراثه لما يقولون، ولا بأس بعدئذٍ، ألا تكون هناك مصداقية لهم. فالقطريون تكفيهم فكرة القفص الإفتراضي والمتهم الإفتراضي والنبأ الإفتراضي الملفق الذي يؤدي وظيفته ولو ليوم واحد. وإعلام قطر يتغذى أصلاً، في كل ما يقوله عن المشهد السياسي العربي، على الفرضيات الإخوانية الغبيةـ ولا يزال يعتقد أن الدولة في مصر ستسقط، بينما الدولة في واقع أوقاتها الراهنة، منشغلة في تنفيذ مشروعات عملاقة غير مسبوقة!
أما بالنسبة لدحلان، فإن هذا الإعلام يتداول اتهامات تراجع عنها مؤلفوها ومروجوها في أرض المنشأ وهي غزة، التي يعرف شعبها بطلان ما قيل في حق الرجل. المهم عند الدوحة أن يحدث الضجيج وأن تختلط الأوراق، ولا حرج بعدئذٍ إن ظل بعض الأبعدين السذج وبعض غلاة المأزومين، يتداولون الإتهامات والحكاوي في حق الناس، في كنف الجماعة!.
عباس، إذن، يعرف أن محاولته تأثيم دحلان لدى منظمة الإنتربول ستكون فاشلة، لأنها فاقدة لاية حيثية جنائية مثلما وصفها قرار المنظمة. وعلى الرغم من ذلك تراه يبيع البضاعة طالما أن هناك من يشتريها، وهو لا يبالي بانكشاف انحيازه للدوحة وأنقره، لكن المفارقة الفاضحة، أنه يتذرع بحماس لتدمير المجتمع الفلسطيني في غزة، ويهاجم "الإخوان" بضراوة، وفي الوقت نفسه تتقبل منه الدوحة هذا السياق، فلا تراه ضالاً مثلما ترى غيره، ولا تراه مؤذياً للمقاومة وراضخاً لإسرائيل، ولا تراه ظالماً لشعبه. فكل هذا التغاضي عنه، لأن حماس في غزة أغضبت الدوحة عندما اضطرت، من باب البحث عن مخارج لمأزقها في القطاع، لأن تحسب حسبة الجغرافيا أو حسبة الجوار مع مصر، وحسبة الأمن القومي العربي الموصول بأمنها هي، وحسبة المصالح الإجتماعية للناس في غزة لكي لا تنفجر في كل اتجاه. فقطر تريد غزة بيدقاً في يدها حتى لو احترقت بحماسها وناسها، أو امتد حصارها واحتضارها، لعشرات السنين، طالما أن قطر تتستفيد من جعلها فأر المختبر. إن هذه سياسة تحاول الدوحة تجميلها بالمنح والصدقات المتقطعة لإدامة حال البؤس وتكريس التوسل وتصبير الحزانى