- صافرات الإنذار تدوي في "المطلة" و"غجر" شمال فلسطين المحتلة
- الصحة اللبنانية: 6 شهداء و4 مصابين في غارة إسرائيلية على طريق البص قضاء صور
يمارس رجب طيب أردوغان سلطته في تركيا على قاعدة الشعور الكامل بأنه بات سلطاناً وأباً في الوقت ذاته، وأنه بات يحتكر حب الشعب وأن أغلبية هذا الشعب يطيعه حتى وإن اختلف معه، وهو بهذه الحالة يمثل ظاهرة سياسية تستحق الدراسة على الأقل بالبعد السيكولوجي، وأعتقد أن اردوغان عينه على التاريخ بدرجة كبيرة، والتاريخ هو أحد محركات سلوكه السياسي والنفسي، وهدفه البعيد المدى هو طبع حقبة حكمه بصفة "الأردوغانية" ليكون معادلاً للحقبة "الأتاتوركية". فهو يعمل، ومنذ كان رئيساً لبلدية اسطنبول بين 1994 و 1998 من أجل ترك بصمات "أردوغانية" مقابل كل بصمة "أتاتوركية". ومن وجهة نظر أردوغان إن أي فعل أو ظرف أو حالة ما تعيق تنفيذ برنامجه هي حالة معادية ومرفوضة ويجب مقاومتها بشتى الوسائل المتاحة قانونية كانت أم غير قانونية وعلينا أن نستذكر قصة الانقلاب المزعوم في 15 يوليو (تموز) 2016 والذي اتخذه أردوغان ذريعة للتخلص من كل من يعرقل "الأردوغانية" ويعطل مشروعها القائم على عنصرين أساسيين، الأول، تقويض العلمانية وأسلمة الدولة والمجتمع، والثاني تكريس أردوغان كحاكم وأب للأتراك في مواجهة أبوية أتاتورك التاريخية.
لقد شجعت "أبوية" أردوغان على "شيطنة" من سماهم الانقلابيين وجملت له البطش بهم عبر محاكمات صورية لا تليق بدولة عضو في حلف الناتو وتطالب بأن تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي، كما أغرته هذه الأبوية على إجراء التعديلات الدستورية وتحويل نظام الحكم من برلماني إلى نظام رئاسي يضع السلطات بيد الرئيس وليس البرلمان، وتضمن له التعديلات الدستورية الجديدة، البقاء فى منصبه كرئيس "منتخب" لولايتين رئاسيتين كحد أقصى أي حتى عام 2029 .
ومن رحم هذه التجربة رفض أردوغان تقبل هزيمة حزبه في الانتخابات البلدية التي أجريت في 31 مارس (آذار) الماضي وتحديداً في اسطنبول وأنقرة، وقامت الهيئة العليا للانتخابات في تركيا التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية، وبعد هذه الفترة الزمنية الطويلة وبجرة قلم بالغاء نتائج الانتخابات بحجة أن هناك "فساداً خطيراً" في فرز الأصوات.
من المفارقات المهمة للغاية أن المتضرر وأقصد هنا عمدة اسطنبول المنتخب أكرم إمام أوغلو قد هدد بأنه سيقود ثورة من أجل الديمقراطية، وقال إن "الأعضاء السبعة (في هيئة الانتخابات) سيعتبرهم التاريخ وصمة عار، أما أونورسال أديغوزيل، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي فقال إنه "من غير المشروع الانتصار على حزب العدالة والتنمية في تأكيد على "أبوية أردوغان وديكتاتوريته"، وأضاف: "هذا النظام الذي يلغي إرادة الشعب ويتجاهل القانون، ليس ديمقراطياً ولا شرعياً. هذه ديكتاتورية صريحة".
من فهمي لعقلية أردوغان فهو لن يقبل بنتائج لأية انتخابات بلدية أو غير بلدية لا ينجح فيها حزبه وبخاصة في أهم مدينتين في تركيا اسطنبول ثم أنقرة، وفي كل الأحوال فهو الرئيس الذي بيده "الملك" ويتصرف على هذا الأساس.
نجح أردوغان في تكريس ديكتاتورية "أبوية" تحت غطاء من "الديمقراطية"، وهو اليوم يبيع علينا ثقافة "معاندة اسرائيل" لا مواجهتها، ويبيع علينا أيضاً أنه ديمقراطي وإنساني وسجونه مكتظة بالعرب وتحديداً أبناء القضية الفلسطينية وجريمة قتل زكي مبارك في أحد السجون التركية مازالت تشكل صدمة لدى المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ولدى المجتمع الفلسطيني.
... الأردوغانية وأبويتها في تركيا أصبحت واقعاً سياسياً ولربما فكرياً ودينياً، ولكن السؤال المهم هل هذه الظاهرة يمكن لها أن تستمر أم هي "موضة" أكثر منها "حالة متجذرة"؟