اليوم الخميس 17 إبريل 2025م
مراسلنا: استشهاد محمد خضر عاشور إثر قصف إسرائيلي على حي السلام جنوبي مدينة خانيونسالكوفية الأسير عديلي يضاف إلى قائمة شهداء الحركة الأسيرة مع تصاعد جرائم الاحتلال ضد المعتقلينالكوفية محكمة بيتاح تيكفا تقرر تحويل عنصر الشاباك المشتبه بتسريب المعلومات إلى حبس منزليالكوفية "محدث" تطورات اليوم الـ 31 من حرب الإبادة الجماعية على غزة بعد استئنافهاالكوفية مراسلنا: قوات الاحتلال تقتحم بلدة الكرمل شرقي يطا بالخليل لتأمين طقوس المستوطنين التلموديةالكوفية الأونروا: إسرائيل تمنع الإعلام الدولي من دخول غزةالكوفية بعد انقطاع أسبوعين- إعادة ضخ مياه "ميكروت" لأحياء مدينة غزةالكوفية شهيد في غارة من مسيرة إسرائيلية جنوب لبنانالكوفية خطة اسرائيلية لاستئناف المساعدات وانشاء مراكز للتوزيع بإدارة مدنية بغزةالكوفية في يوم الأسير الفلسطيني، الضمير: ما يجري في سجون الاحتلال الاسرائيلي امتداد لحرب الإبادة الجماعيةالكوفية الرئيس الروسي بوتين: من المهم مناقشة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني اليومالكوفية لا سبب للتفاؤل إلا إذا..الكوفية ترمب ودرس أدب في الجامعات الأمريكية!الكوفية القرارات الدولية بحاجة لقوة تنفيذية وإلا باتت حبراً على ورقالكوفية عن هذه البلادة تجاه ما يحدثالكوفية مراسلنا: غارة جوية من طائرات الاحتلال تستهدف قيزان رشوان بخانيونس جنوبي قطاع غزةالكوفية دبابات الجيش تتقدم من منطقة ميراج نحو منطقة قيزان أبورشوان وسط قصف مدفعي كثيف وإطلاق نارالكوفية تحركات سياسية سريعة قبل مثول رئيس الشاباك أمام المحكمة العليا في ملف حساس يثير توتراً داخل المؤسسة الأمنيةالكوفية المكتب الحكومي: لن تكون هناك عدالة حقيقية دون تحرير الأسرى ومحاسبة مجرمي الحرب الصَّهاينةالكوفية ستانيشيتش لاعب بايرن: تصرفت بغباء ضد أحد حاملي الكراتالكوفية

ريشة تقاوم النسيان: محمود البوليس.. فنانٌ يحفر تاريخ فلسطين بدمِ الألوان وقوةِ الخطّ

23:23 - 13 إبريل - 2025
بن معمر الحاج عيسى
الكوفية:

في زاويةٍ من زوايا بيت فجار ببيت لحم، حيث تُنسَج حكايات الأرض المُحتلّة بخيوطٍ من الألم والصمود، وُلد محمود البوليس عام 1969 ليكون أحدَ حُرّاس الذاكرة الفلسطينية الذين اختاروا الفنَّ سلاحًا في معركةٍ وجودية ضد محو الهوية. منذ نعومة أظفاره، لم تكن ريشته مجرد أداةٍ للرسم، بل تحوّلت إلى إبرةٍ تخيط جراحَ شعبٍ بكامله، وإلى صرخةٍ تُسمَع في أصقاع العالم: “نحن هنا، ولن نغيب”. بدأ طريقه بقلم الرصاص يرسم البورتريهات ببراعةٍ تخطف الأنفاس، لكنَّ صمته الفني لم يصمد أمام زئير الاحتلال، فاندلعت ثورته الداخلية كبركانٍ من الألوان، ليرسم دماء الشهداء ودموع الأطفال ومفاتيح العودة، وكأنه يقول للعالم: “إن لم تسمعوا صوتنا، فاقرؤوا قصتنا عبر ألواننا”.

في ثمانينيات القرن الماضي، عندما كان الاحتلال يُحكم قبضته على الضفة الغربية، بدأ البوليس مشواره الفني بواقعيةٍ كلاسيكيةٍ توثّق التفاصيل الدقيقة للوجوه والأماكن، لكنه سرعان ما أدرك أن الواقع الفلسطيني لا يحتمل التمثيل الحرفي، فاتّخذ من السريالية لغةً للحلم المكبوت، ومن التجريد تعبيرًا عن تشظّي الأرض والهوية. لوحاته تحوّلت إلى سجلاتٍ مرئيةٍ للمقاومة: هنا ترسم عيناه طفلةً غزيةً تحمل قلمًا بدل الدمية، وهناك يُوثّق الشيخ الذي ما زال يحتفظ بمفتاح بيته المحطّم في دير ياسين، وفي مكانٍ آخر تطلّ القدس كأنها عروسٌ تنتظر عريسَها المغتَصب. لم يكن يخشى أن يدمج بين تقنيات الزيت والأكريليك والمائية، فكلّ خامةٍ كانت بالنسبة له سلاحًا مختلفًا في معركةٍ واحدة.

عندما رسم شهداء سجن عكا – محمد جمجوم، عطا الزير، وفؤاد حجازي – لم يكتفِ بتجسيد وجوههم، بل غاص في أعماق بطولتهم، فخلّدهم بألوانٍ تُذكّر العالم بأن الشهادة ليست نهاية، بل بداية خلود. لوحاته عن دلال المغربي لم تكن مجرد بورتريه، بل كانت قصيدةً بصريّة عن امرأة حوّلت رصاصة الاحتلال إلى إكليلٍ للمجد. أما سلسلة “مجازر غزة” فكانت أشبه بمحاكمةٍ فنيّة للعالم الصامت: فيها تتحول جثث الأطفال إلى فراشاتٍ ملوّنة، والدماء إلى أنهارٍ من الذهب، وكأنه يقول: “حتى الموت عندنا يصنع الحياة”.

لم تكن معارضه الفنية مجرد منصاتٍ لعرض اللوحات، بل تحوّلت إلى ساحاتٍ للقاء الذاكرة بالضمير العالمي. في معرض “فلسطين في قلوبنا” بروسيا (2023)، وقف الزوّار أمام لوحة “أطفال غزة تكتب ولا تكتب مثلكم” يبكون، بينما علّق أحد الدبلوماسيين الأوروبيين: “هذه أول مرة أشعر فيها بأنني أرى الحرب بعيون الضحايا”. وفي معرض “القدس السادس للثقافة” بتترستان (2024)، تحوّلت لوحته “عين الله ترعاها” إلى أيقونةٍ للمطالبة بتحرير المسجد الأقصى، حيث مزج بين الزخارف الإسلامية والتجريد الحديث، ليثبت أن القدس ليست حجرًا يُسرق، بل روحًا تسكن في دم كل فلسطيني.

حتى في أعماله خارج إطار الرسم، كترميمه للزخارف الإسلامية في بيوت بيت لحم المهددة بالهدم، كان البوليس ينقش رسالةً خفية: “كل حجرٍ ننقذه هو انتصارٌ على محو الهوية”. وفي تصميمه أغلفة الكتب والبُوسترات الوطنية، حوّل الورق إلى دُروعٍ ثقافية ضد التزييف. كتاباته الشعرية التي تواكب لوحاته، مثل “من سرق عمرك يا وطن؟” أو “سفينة أخرى تبحر إلى أرض الوطن”، لم تكن مجرد كلمات، بل صارت أناشيدَ تُردَّد في المظاهرات والمناسبات الوطنية، وكأن فنه خلق لغةً موازيةً للمقاومة.

التكريمات التي نالها – كدرع “ذاكرة وطن” من المكتبة الوطنية الأردنية ودرع “فوج التميز” – لم تكن مجرد تكريمٍ لمسيرته، بل اعترافٌ بأن الفن التشكيلي الفلسطيني صار جيشًا من الريشات التي تحارب أكثر من محتل: الاحتلال العسكري، واحتلال النسيان، واحتلال الصمت الدولي. عندما كرّمته السفيرة البرازيلية في عمّان عام 2014، قالت وهي تمسك لوحةً لمجزرة كفر قاسم: “هذا الفن علّمني أن العدالة ليست قانونًا في أوراق، بل ضميرًا يرسمه الفنانون”.

اليوم، وفي خضمّ مجازر غزة 2023-2024، يعود البوليس ليُذكّر العالم بأن الفنَّ الفلسطيني لا ينكسر. في سلسلته الأخيرة التي يعمل عليها داخل مرسمه ببيت لحم، يدمج بين صور الأطفال الضحايا وخريطة فلسطين التاريخية، مستخدمًا ألوانًا مائيةً ممزوجةً بترابٍ من مخيمات اللجوء، وكأنه يصرخ: “انظروا، حتى التراب عندنا يرفض أن يكون غبارًا”. ريشته التي تجاوزت الـ55 عامًا ما زالت تُنتج الأملَ من رحم اليأس، وتُعلّم الأجيالَ الجديدة أن المقاومة ليست بالحجر فقط، بل بالجمال الذي يخلّده الفن. فكما قال في إحدى قصائده:

سنبقى هنا.. نرسمُ الوطن على جدرانِ الزمن،

حتى إذا سقطت الجدران، بقيَ الرسمُ شاهدًا..

وبقيَ الدمُ يُنبتُ زيتونًا“

كن أول من يعلق
تعليق جديد
البريد الالكتروني لا يظهر بالتعليق