- طيران الاحتلال يشن غارة على محيط أرض الشنطي شمال حي الشيخ رضوان بغزة
- شهداء ومصابون في مدرسة تؤوي نازحين بالمخيم الجديد شمال النصيرات وسط قطاع غزة
المرشحان متقاربان في نسبة التأييد بحسب استطلاعات الرأي التي تعتبر في أميركا مؤشرا غير حاسم، ما يجعل التنافس شديدا على كل صوت في الولايات السبع المتأرجحة وبخاصة ميشيغان التي لها 15 مقعدا في المجمع الانتخابي، وقد يرجح الصوت العربي الإسلامي الكفة لصالح أحد المرشحين. مع كل يوم يقترب من 5 تشرين الثاني، تحتدم المعركة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري المحتكرين للسلطة، وتخرج عن أخلاقيات المنافسة بفعل الأزمة الحادة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
لأول مرة، تُستخدم تعابير «العدو الداخلي» في إشارة إلى المعارضين السياسيين لترامب، والولايات المتحدة دولة محتلة، ويوم الانتخابات يوم التحرير، ومؤامرة استبدال الأميركيين البيض بمهاجرين غير بيض. في الجهة الأخرى، وصفت حملة هاريس منافسها ترامب بأنه فاشي، ولا يلتزم بالمبادئ الأساسية للقسم الرئاسي، وهو غير مؤهل ولا يستطيع السيطرة على دوافعه المبتذلة، يفتقد إلى لياقة عقلية، وليس لديه نظام من المعتقدات ويغير موقفه في دقيقة، وفوق كل ذلك فهو أول شخصية بمنصب رئيس مدان جنائيا من محاكم أميركية في 34 قضية فساد ورشاوى وأخلاق وأمن وغير ذلك. من يستمع أو يقرأ يوميات الدعاية الانتخابية الأميركية يعتقد أن البلد على أبواب حرب أهلية.
كل الأنظار تتجه إلى البلد الذي لا يزال يمارس دور شرطي العالم، ويتحكم في مؤسسات الأمم المتحدة، يدعم ويعاقب ويفرض سياسات وبخاصة في منطقتنا التي أوجد له فيها مصالح حيوية استراتيجية. الانتخابات هذا العام تختلف عن سابقاتها في ظل «مصادقة دول الغرب على اجتياح غزة وتقتيل سكانها مع أهالي الضفة الغربية وما يعنيه ذلك من إفلاس أخلاقي أو هزيمة أخلاقية للغرب حين قبل بمسألة إحصائية منطقها أن حياة الفلسطينيين هي مئات المرّات أدنى من حياة المدنيين الإسرائيليين، وأن المطالبة بوقف إطلاق النار بعد مجازر الأطفال تُعدُّ موقفاً معاديّاً للسامية، في الوقت الذي تكمم فيه السلطات العمومية والمؤسسات الجامعية أفواه المطالبين بتطبيق القانون الدولي للحروب وتُبيح للمعتدين كلّ شيء. المصادقة على سحق غزة خلق هوة واسعة في النظام الأخلاقي للعالم، أزال الفروقات بين الدول الداعمة للعدوان» وكل ذلك، بحسب البروفيسور الفرنسي ديديي فاسان في كتابه الجديد بعنوان (هزيمة غريبة في المصادقة على سحق غزة).
إن الدعم الأميركي لإسرائيل بالسلاح و»الفيتو» والمال وتسويغ الحق لإسرائيل في الدفاع عن نفسها بلا قيد أو شرط، من الثوابت التي تتفق عليها قيادة الحزبين المتنافسين الديمقراطي والجمهوري في مجلسي الشيوخ والنواب. تلك السياسة التي حالت دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بل ساهمت في تعميق الاحتلال والنهب والاستيطان، وفي ممارسة أشكال من التطهير العرقي واضطهاد شعب وإخضاعه لحكم عسكري بقوانين «أبارتهايد».
لأيٍ من المرشحين سيصوت الناخبون من أصل فلسطيني وعربي ومن منتسبي الديانة الإسلامية؟. هل سيصوتون للمرشح الجمهوري رونالد ترامب صاحب مشروع صفقة القرن الذي صاغه مستوطنون إسرائيليون، والذي بادر إبان حكمه إلى الاعتراف بمدينة القدس بشطريها عاصمة موحدة لإسرائيل متحديا قرارات الشرعية الدولية، ونقل السفارة الأميركية إليها، واعتبر الاستيطان عملا مشروعا، وكان راعيا ومدبرا للاتفاقات الإبراهيمية المناقضة لمبادرة «السلام» العربية. وألمح في دعايته الانتخابية إلى تكبير مساحة إسرائيل في إشارة إلى دعم التوسع في قطاع غزة، متناغما بذلك مع بن غفير وسموتريتش ويمين «الليكود» ومجلس المستوطنات ومعسكر أقصى اليمين الإسرائيلي الذين يعدون لتهجير المواطنين الغزيين وإعادة الاستيطان إلى قطاع غزة. ويقف ترامب وراء مشروع «إستر 2025» الذي يصور معاداة السامية باعتبارها أمرا لا ينفصل عن معاداة الصهيونية وعن الاحتجاج ضد اسرائيل وجرائمها، ويدعو إلى تفكيك البنية الأساسية للحركات الأميركية الطلابية والأكاديمية والنقابية واليهودية المؤيدة للفلسطينيين، والى ترحيل المتظاهرين والنشطاء. وفي محاولته لكسب أصوات العرب والمسلمين، يعد ترامب بوقف الحرب وإحلال السلام، هذا الموقف يأتي على النقيض من مواقفه الداعمة بشدة لانتصار اسرائيل وعدم تقليص دعمها بأسلحة الدمار حتى لو كان ذلك من قبيل الدعاية. يقول ترامب: إسرائيل لن تكون موجودة في غضون عامين إذا هزم في الانتخابات، وانه افضل داعم لإسرائيل ويتصل بنتنياهو يوميا.
هل هذا يعني تصويت العرب والمسلمين لهاريس مرشحة الحزب الديمقراطي التي أفرطت إدارته – إدارة بايدن - في دعمها للعدوان بالسلاح والمال و»الفيتو»، وتقاعست حتى عن التدخل لتأمين الغذاء والدواء وإنقاذ الجرحى وبخاصة الأطفال منهم. صحيح أن هاريس تدعو طوال الوقت إلى وقف الحرب، والبحث عن حل سياسي يحفظ حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وهو الموقف الذي رددته إدارة بايدن طول الوقت وكانت أقوالا بلا أفعال. لم تستطع إدارة بايدن وقف القرصنة الإسرائيلية لأموال الضرائب الفلسطينية ولا أعمال التطهير العرقي في أكثر من 20 موقعا فلسطينيا ولا وقف التمدد الاستيطاني في طول وعرض الأراضي الفلسطينية.
بناء على التجربة المريرة، لا يمكن التعويل على وعود هاريس والإدارات الديمقراطية السابقة واللاحقة المنحازة بشكل سافر لإسرائيل. والمقصود بالتعويل ليس فك عرى العلاقة الاستراتيجية والدور المشترك المؤسس على بقاء الهيمنة والتبعية على دول وشعوب المنطقة، هذا تحول استراتيجي في النظام الدولي، يحتاج إلى معادلات دولية وإقليمية وعربية وتحولات داخل البلدين. المطلوب أقل من ذلك بكثير، كوقف الرعاية الأميركية للانقلاب الإسرائيلي على القانون الدولي واستبداله بأيديولوجية دينية تعصبية تدفع نحو صراعات وحروب دينية، وبوقف التطهير العرقي الذي تمارسه فاشية يمينية منظمة برعاية ودعم حكومة نتنياهو، ووقف حرب الإبادة في قطاع غزة وحرب التصفية في الضفة الغربية قولا وفعلا وفورا، وعدم استخدام «الفيتو» في كل ما يتصل بالحقوق الفلسطينية المشروعة، وفيما يتصل بجرائم الحرب.
لحسن الحظ أن اتجاها يساريا في الحزب الديمقراطي يدعو إلى تغييرات في السياسة الأميركية لمصلحة الحقوق الفلسطينية، وقد أصبحت القضية الفلسطينية جزءا من الصراع الداخلي في الحزب الديمقراطي. هذا الاتجاه يدعو إلى وقف الحرب فورا ووقف تزويد إسرائيل بالسلاح والمال، ويدعو إلى ممارسة الضغط بما في ذلك فرض عقوبات لردع العدوانية الإسرائيلية. يأتي ذلك في سياق صعود جيل شاب أميركي بدأ يكتشف أجزاء من الحقيقة حول دور اسرائيل وطبيعتها التعصبية المتناقضة مع الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، هذا الجيل يعارض سياسة حكومته ويدعو إلى تغييرها وقد بدأ يترك بصمات مؤثرة على السياسة الرسمية، ما يدعو إلى التفاؤل.
بعد مناقشة اثر حرب الإبادة، ثمة فرق في برنامجي ترامب وهاريس بالنسبة للناخبين من اصل فلسطيني وعربي أو مسلم، ترامب ينحاز للأثرياء أصحاب الاحتكارات والذي وعد بتخفيض ضرائبهم، وضد الضمان الصحي الذي يستفيد منه أصحاب الدخل المحدود، وضد كل إجراءات الدفاع عن البيئة، مقابل هاريس التي تميز برنامجها على برنامج ترامب في قضايا الحد الأدنى للأجور والضمان الاجتماعي والصحي والبيئة والمرأة والحريات. بلغة العاطفة وعلى خلفية حرب الإبادة من الطبيعي ألا يصوت الفلسطيني والعربي لكلا المرشحين وفي هذه الحالة يكون التصويت لمصلحة مرشحة حزب الخضر، وبلغة العقل والمصلحة ودعم التغيير من الجائز التصويت لهاريس، وفي مطلق الأحوال لا ينبغي التصويت للمرشح ترامب.