- اندلاع حريق داخل منزل جرّاء قصف مدفعي مقابل نادي الأقصى بالمخيم الجديد في النصيرات
- شهيد جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على المخيم الجديد شمال غرب مخيم النصيرات وسط قطاع غزة
بغض النظر عن التحقيق الذي سيُجرى في الولايات المتحدة، كما أكدت ذلك شبكة «سي إن إن» وفق 3 مصادر مطلعة، في تسريب الوثائق الخاصة بالرد الإسرائيلي المنتظر منذ بداية هذا الشهر، أي منذ 3 أسابيع، على عملية الوعد الصادق الإيرانية 2 التي شملت إطلاق ما يقارب من 200 صاروخ باليستي على إسرائيل مطلع أكتوبر الحالي، فإن التسريب بحد ذاته يمكن قراءته ضمن سياق عملية الشد والجذب بين الحليفين المتناكفين، أي بنيامين نتنياهو وجو بايدن، والمستمرة منذ أكثر من عام، وترافقت مع فصول الحرب الإسرائيلية المتواصلة في الشرق الأوسط، والتي قاد مسارها نتنياهو رغم اعتراضات معلنة عديدة من قبل بايدن، على مسارها، بل على استمرارها كل هذا الوقت، الذي لم يكن يتوقعه أصلاً، فضلاً عن الموافقة عليه.
وأقل ما يمكن ملاحظته هنا، هو أن نتنياهو خدع الدنيا كلها، بجر إسرائيل ومعها أميركا، ومن ثم فرض الحرب على الشرق الأوسط، بفصول لم تنته بعد، بل تشمل ما هو أسوأ بكثير فيما هو قادم، ما قد مضى، وبعد أن أطلق الحرب قبل عام بأهداف محددة ضد حماس، بقوتها العسكرية ونظام حكمها السياسي لقطاع غزة، ها هو بعد أن وسع دائرة الحرب لتشمل لبنان، يعلن بأن هدفه هو إعادة تشكيل الشرق الأوسط بأسره، وبعد أن قوبلت تصريحاته بالغضب، خاصة من قبل ما يُسمى بدول الاعتدال في المنطقة، قام بتعديل هدفه الاستعماري بالقول: ترتيب الإقليم الأمني لأجيال قادمة!
لكن الحقيقة لا يمكنها أن تقتصر على جانب دون الآخر، خاصة ونحن نتحدث عن حرب لم تعد حرباً خاطفة، وهذا بحد ذاته إخفاق إسرائيلي، كذلك لم تتحول إلى حرب إقليمية شاملة، تشمل أميركا، كما يحاول الإسرائيليون منذ عقود، وهذا فشل إسرائيلي، ما زال يمكن تعديله، ويبدو أنه بعد إخفاقات بايدن المتتالية، خاصةً فيما يخص عقد صفقة تبادل المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس بوقف الحرب، بدا أن مُنجز بايدن الوحيد هو منع تحول الحرب الى حرب إقليمية شاملة، بما يعني أن طرفَي الشراكة المكرهَين على إظهار الود، وهما بايدن ونتنياهو باتا مقتنعَين بما تحقق، ولكن إلى حين، خاصة من قبل نتنياهو، فقد دعم بايدن نقل مركز ثقل الحرب من غزة إلى لبنان، ولم يحتج على بدء إسرائيل حربها ضد لبنان بارتكاب جرائم الحرب، بدءاً من تفجيرات «بيجر» وليس انتهاء بإلقاء أطنان القنابل على ضاحية بيروت الجنوبية السكنية، ولا ما تضمّنه ذلك من اغتيالات، هي جرائم في كل أحوالها، أياً كان مَن تستهدفهم.
وفي الحقيقة، فإنه إضافة لأسباب عديدة، تواصلت الحرب حتى دخلت عامها الثاني، بأكثر مما توقع معظم المراقبين، لكن يبدو أن تحقيق كلا الطرفين لمُنجزات تكتيكية، أو نجاحات عابرة، كان أحد أهم أسباب استمرار هذه الحرب، فصمود غزة، رغم كل الدمار، لمدة عام حتى استشهاد القائد يحيى السنوار، اعتُبر أسطورياً من قبل محور المقاومة، وقد أكد لها إفشالها لاستراتيجية الحرب الإسرائيلية الخاطفة، وكان من جراء ذلك أن ألحقت الحرب أيضاً بإسرائيل خسائر سياسية واقتصادية بالغة، خاصة على صعيد مكانتها الدولية والإقليمية، وحتى أن استمرار الحرب ألحقَ خسائر بشرية في صفوف جنودها، كما أن الصواريخ من كل الجبهات طالت مدنها، بما شجع الهجرة المعاكسة.
فيما النجاحات التكتيكية الإسرائيلية، والتي بدأت في تجاوز الرفض الدولي والإقليمي لاجتياح رفح، ثم توالت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بنجاحها في استخدام قوتها الجوية والاستخباراتية معاً، في اغتيال قادة الصف الأول لكل من حماس وحزب الله، لكن نقلة الصعود في المعنويات الإسرائيلية، منذ شهر، والتي دفعت بها لنقل قواتها من غزة الى الشمال، لم تدم طويلاً، فقد رد محور المقاومة أولاً على اغتيال فؤاد شكر باستهداف مقر الوحدة 8200 الاستخباراتية، ورد على اغتيال حسن نصر الله بالنجاح في قصف بنيامينا، مقر كتيبة النخبة «جولاني»، فيما ردَّ على اغتيال إسماعيل هنية بإطلاق نحو مائتي صاروخ إيراني باليستي على إسرائيل، وها هو يصل الى منزل بنيامين نتنياهو نفسه، بما يوحي بأن الحرب ما زالت سجالاً بين الطرفين.
وهذا ما يبرر استمرارها، وبتقديرنا، فإن الأسبوعين المقبلين، حتى يوم الانتخابات الأميركية سيشهدان شدّ الحبل لآخر مدى ممكن، لكن دون قطعه، لذا فإن إسرائيل لأول مرة، وعلى غير المتوقع، لم ترد حتى اليوم على صواريخ إيران في عملية الوعد الصادق 2، رغم مرور ثلاثة أسابيع، ورغم الموافقة الأميركية، بل والتحضير الأميركي المشترك لاحتواء الرد الإيراني على الرد، بنشر منظومة «ثاد»، بعد أن تأكد بأن محور المقاومة قد وازن آلة الحرب الإسرائيلية، بالصواريخ مقابل الطيران، والهُدهُد مقابل الاستخبارات، وبإرادة المقاتلين في الحرب البرية.
يمكننا القول بأن تأخر الرد الإسرائيلي على «الوعد الصادق 2 « مرتبط أكثر من غيره بمناسبة الانتخابات الأميركية، حيث إن طبيعة الرد ستؤثر جداً على وجهة الناخبين، وإسرائيل التي لا تريد أن يقتصر التأييد الأميركي على حزب دون الآخر، فإنها تحسب حساباتها جيداً، لكن ليس وفق أجندة بايدن، ومع بقاء احتمال أن يُقْدم نتنياهو في اللحظة الأخيرة على فعل يقلب الطاولة على الديمقراطيين، بأن يوجه ضربة لإيران تدفعها إلى الرد بما يفتح أبواب الحرب الإقليمية على مصراعيها، إلا أن الأيام القادمة تنتظر أن يواصل الطرفان الأميركي والإسرائيلي لعبة القط والفأر، فوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قادم في محاولة لاستثمار استشهاد يحيى السنوار، في دفع صفقة التبادل وفق شروط نتنياهو، لتقديمها هدية لكامالا هاريس، وعلى الأغلب لن يسمح نتنياهو للصفقة بالمرور، وآخر ما قد يفعله نتنياهو أن لا يقدم على ضرب إيران بشكل يفتح أبواب الحرب، أي أن لا يقدم الهدية لترامب، مقابل أن لا يقدم الهدية لهاريس.
وهذا يعني بأن نتنياهو بعد مرور كل هذا الوقت على التأخر في الرد، حتى يأخذ هو والأميركيون احتياطاتهم ضد الرد الإيراني على الرد، بما في ذلك نصب منظومة «ثاد»، ربما يفضل أن ينتظر حتى يوم الانتخابات الأميركية، حينها سيتحرر من الحسابات الأميركية الداخلية فيما يخص هذا الرد، وسيبقى يحاول أن يحسم الحرب بالضربة القاضية، التي لا يمكنه أن يحققها دون الدخول الأميركي المباشر والكامل في الحرب، أو أن يرد بما يجبر إيران على الرد تاليا، ليبقى باب الحرب الإقليمية مفتوحا، في لاحق الأيام.
وبعد أن وسع الحرب لتشمل لبنان، بشعار إعادة مستوطني الشمال، رفع السقف بالحديث عن تدمير حزب الله، ولأن هدفه البعيد والرئيسي هو تدمير إيران، وعدم الاكتفاء حتى بتدمير حلفائها، أي حماس وحزب الله، فإنه رفع السقف مجدداً، بالحديث عن إعادة ترتيب الإقليم أمنياً وسياسياً، والتأكيد على عدم الاكتفاء بغزة ولبنان، بل بقطع «رأس» الأفعى، أي إيران كما يقول، لكن تبقى أميركا هي من سيحسم هذا الأمر، وبعد الانتخابات ستكون واشنطن قد تحررت من حساباتها الداخلية، لكن لو بدا لها بأن إسقاط النظام الإيراني ممكن بضربة عسكرية قاضية لأقدمت عليها فوراً، لكن ما يمنعها أو يردعها، هو الخشية من أن تتورط هي أيضا كما هو حال إسرائيل في حرب استنزاف طويلة الأمد.
أما آخر العوامل التي أدت الى خلط الأوراق مجدداً، فقد كان وصول صواريخ حزب الله الى منزل بنيامين نتنياهو في قيساريا، بما يشير الى إمكانية أن ينجح محور المقاومة في الرد على الاغتيالات وهي الإنجاز العسكري الإسرائيلي الوحيد خلال عام، مع التدمير الهائل وقتل عشرات آلاف المدنيين، بات يمكن لمحور المقاومة الرد عليه بالمثل، بينما ما يحول دون أن يتم توجيه صواريخ المقاومة لتلحق القتل بالمدنيين الإسرائيليين، هو الموقف الأميركي، فيما يحتمل ذلك أن يتم تضمين بنك الأهداف الإسرائيلية مقر المرشد الإيراني، ويمكن أن يشكل ذلك مخرجاً إسرائيلياً في حال الاكتفاء برمزية الاستهداف، أو مدخلاً للحرب الشاملة في حال تم قتل المرشد فعلاً، وهكذا يمكن القول بأن مستقبل الحرب، مع عدم قدرة إسرائيل على احتمال أن تستمر هكذا كحرب استنزاف طويلة الأمد، بعجزها عن حسمها بشكل خاطف، بات بين يدَي إيران وأميركا، ذلك أن الحرب هكذا ستستمر سنوات قادمة، لأنها تُحسم فقط بدخول إيراني كجبهة إسناد مباشرة ضد إسرائيل، مثل اليمن والعراق، حينها تُحسم لصالح المقاومة، وذلك في حال لم تدخلها أميركا، لكن إن دخلتها إيران ودخلتها أميركا فتُحسم لصالح إسرائيل، على الأغلب، أما بهذا الحال فإنها ستستمر طويلاً.