اليوم الاربعاء 25 سبتمبر 2024م
بالفيديو إصابة ثلاثة إسرائيليين أحدهم بجراح خطيرة في قصف قرب نهارياالكوفية قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال: دخلنا مرحلة جديدة في الحملة ضمن إطار عملية «سهام الشمال»الكوفية الأمم المتحدة للمرأة: 177 ألف من نساء غزة يواجهن مخاطر صحية مهددة للحياةالكوفية تشييع الشهيد يحيى عوض بمخيم الفوار في الخليلالكوفية وقفة تضامنية في نابلس دعما لغزة والمعتقلين في سجون الاحتلالالكوفية الاحتلال يشرع بتدمير البنية التحتية في عدة مناطق في مدينة جنينالكوفية الصحة اللبنانية: 3 شهداء و9 جرحى في حصيلة الغارة على المعيصرةالكوفية تطورات اليوم الـ 355 من عدوان الاحتلال المتواصل على قطاع غزةالكوفية تطورات اليوم الثالث للعدوان الإسرائيلي على لبنانالكوفية الاحتلال يقتحم جنين ويحاصر مستشفيينالكوفية الاحتلال يجرف 20 دونما ويقتلع 600 شجرة ويهدم منشآت وآبارا زراعية غرب الخليلالكوفية مراسلنا: 5 شهداء وعدد من المصابين في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزةالكوفية مراسلنا: اندلاع حرائق بين روش بينا ومدينة صفد شمالي إسرائيل وإغلاق الشارع الواصل بينهماالكوفية "الإعلام الحكومي": إرسال الاحتلال 88 جثماناً من مختطفي غزة شبه متحلله جريمة لا إنسانيةالكوفية اعتقال 35 مواطنا بالضفة في حملة واسعة للاحتلالالكوفية مراسلنا: بدء إجلاء آلاف الطلبة من مدارس مدينة جنين ومخيمها عقب اقتحام جيش الاحتلال للمدينةالكوفية مراسلنا: آليات الاحتلال برفقة جرافات تتجه نحو مخيم جنينالكوفية «كأس العالم لكرة الصالات»: فرنسا تنفي مزاعم التلاعب بنتيجة مواجهة إيرانالكوفية عـن الافـتـراق فـي الـوعـيالكوفية الاحتلال يقتحم دير ابزيع وخربثا بني حارث غرب رام اللهالكوفية

عـن الافـتـراق فـي الـوعـي

12:12 - 25 سبتمبر - 2024
توفيق أبو شومر
الكوفية:

أصرَّ أحمد مساء يوم 20-10-2023  أن يحدثني عن نبوغه في مجال التمريض والطب، وأنه يملك موهبة اكتشاف شرايين الدم في أذرع المرضى ممن يحتاجون لحقنٍ تغذية، وكيف أن الأطباء الماهرين كانوا يعجزون عن اكتشاف شرايين الدم في أجساد المرضى، بخاصة عند المواليد وعند بعض الأشخاص ممن لا تظهر شرايينهم بوضوح، قال أحمد: كنتُ أنتشي عندما كان الأطباء ينادونني: «أحمد ضع أنبوب التغذية في وريد المريض».
أصر أحمد ابن أخي في تلك الليلة وهو يجلس في بيت والده أن يحدثني عن مسيرة حياته كلها، وبخاصة في مجالات نبوغه، كان يسكن في بناية صغيرة المساحة وسط مخيم اللاجئين، هذه المساحة اشتراها والده، خصصها سكنا لولدين من أولاده، بنى لكل ولد منهما شقة خاصة في الطابق العلوي، أما الطابق السفلي فخصصه دكاناً للتجارة.
حدثني أحمد في تلك الليلة بشغف عن موهبة أخرى، عن نبوغه في صناعة مواد التنظيف والشامبو، أراد أن يُثبت لي كفاءته في صناعة أرقى أنواع الشامبو والصابون والمنظفات بأرخص الأثمان، لأنه تمكن من العثور على أسرار تلك المستحضرات بالمتابعة العلمية والتجربة العملية، لذلك فهو يملك كل الأدوات اللازمة لهذه الصناعة، كان يود أن ينجح في تغليف منتجاته بشكل علمي ليتم تسويقها بصورة أفضل من إعادة تدوير القوارير القديمة، كان سعيداً جداً بالدخل المادي، وأنه تمكن من شراء دراجة نارية خصصها للتوزيع، كان قادراً على الإنفاق على أسرته المكونة من أربعة أفراد، زوجته وابن وابنتين، حدثني طويلاً عن جود، ابنته الصغرى وهي في الثانية من عمرها وُلدت بمشكلة صحية، ورغم ذلك بدت عليها علائم الذكاء، كانت أكبر من عمرها الحقيقي، قال: أحسستُ بأنها ستكون متفوقة في دراستها، وأنها كانت تتحدى مشكلتها الصحية الخطيرة، كانت ابنة حياة، مما اضطرني للحصول على منحة لعلاجها في مستشفى تخصصي، كان حديثه مملوءاً بالحب والحنان والحرص على متابعة صحة هذه الابنة، ابتسم وهو يقول: أخيراً نجح طبيب فلسطيني في إجراء عمليتين جراحيتين ناجحتين، مما جلب لي السعادة بشفائها شفاء تاماً.
كان يسرد روايته لي وأنا أتمدد على بقايا كنبة جلوس مصنوعة يدوياً من خشب الصناديق، فجأة طلب من ابنته الكبرى أن تُحضر جود من حضن أمها لأراها، كانت عينا جود طافحتين بحب الحياة، لم تغضب حين وضعها في حضني بل كانت سعيدة، طبعت على جبينها قبلة، لم تنفر، بل شعرتُ بأنها انتشت وابتسمت، بسرعة استعاد ابنته من حضني وشرع في تقبيلها وخرمشة وجهها الطري بلحيته، كانت تضحك وهي تعتصر بإصبع يدها الغض أذنه، كم كانت سعيدة عندما صرخ مدعياً الألم من عصر أذنه! ظلت تقرب خدها من شفتيه وتمنحه ابتسامة كمكافأة.
كان شغفه بابنته جود وبقصص تفوقه وحلمه بالمستقبل لتطوير شركته يرسم على وجهه سعادة التألق والانتشاء.
صوت زنين الطائرة المسيّرة يقتحم الجمجمة، يشوّش العقل، ورغم ذلك كنت قادراً على الإحساس بمقدار سعادة أحمد وهو يقص عليَّ فرحه بنجاة ابنته جود من مرضها.
كان ضوء البطارية يخبو قليلاً قليلاً لغياب التيار الكهربي، كنت أغالب النعاس وأحاول أن أظل منتبهاً طوال هذه المدة الطويلة، لكي أمنحه مزيداً من الإعجاب بمثابرته وإصراره على التفوق.
غادر أحمد بيت والده في تمام الساعة الحادية عشرة مساء، متجهاً نحو بيته القريب، كان حليق الذقن متورد الوجنتين يلبس جلابية جديدة، تفوح منها رائحة العطر، كان الظلام في الخارج دامساً، اقتاد ابنه بيده وخرج!
كنت أحاول أن أغفو على صوت المذياع المنبعث من هاتفي، وهو يعدد غارات الطائرات وأعداد القتلى، لم أنجح في إغفاءة طويلة، انشغلتُ طويلاً بقصة أحمد ومهاراته في اكتشاف شرايين الدم في أذرُع المرضى، ونبوغه في صناعة مواد التنظيف، ظللتُ أتساءل: لماذا حدثني عن كل مواهبه؟
غفوت غفوات متقطعة حتى بداية خيوط الفجر الأولى، حين أيقظ انفجارٌ ضخم جميع النائمين في محيطنا، قفزت بسرعة من فراشي الأرضي، كومة من السواد اكتسحت خيوط الفجر الأولى وأسدلت عليها ستائر من الغبار الدقيق تحجب الرؤية، لم أكن أعرف موقع الانفجار بالضبط ولكنني كنت أحس بأنني في وسطه بالضبط، ظللت أتابع اتجاه الذين يجرون نحو الانفجار، قال أحدهم إن الانفجار أطاح ببيت أحمد وأخيه لأنه ملاصق للبيت المقصود بالتفجير، هدمت القنابل أساسات بيت أحمد ودُفن الطابق الأول كلُّه في أساس البيت السفلي، مال الطابق الثاني على الشارع. انشغل إخوة أحمد في إيجاد ثقب يمكنهم من الوصول إلى أسرة أخيهم، كانت الإضاءة تنبعث من هواتف المحيطين بالمكان، أخيراً وجدوا فتحة متشققة صغيرة جداً تطل على أسرة أحمد، أضاؤوا الفتحة بكشاف الهاتف، كان أحمد فاقد الوعي، سحبوه من الفتحة الصغيرة، لكنه لم ينج، ولم تفلح محاولة إنعاشه، لكنهم تمكنوا من إخراج زوجته وابنته الكبرى وابنه وهم مصابون بجروح ورضوض متعددة، كان ثلاثتهم على قيد الحياة، أما جود ابنته الصغرى فلم يتمكن أحد من إيجادها.
حاول إخوته طوال اليوم العثور على الابنة جود، ولكنهم فشلوا في تحديد مكانها تحت الركام، كنتُ أخاف على إخوة أحمد الأربعة عندما ظلوا يحاولون البحث عن رفات جود بين ركام بيتهم الغائر في الأرض، حتى أن والدهم حذرهم ومنعهم من الغوص وسط الركام، خشية أن ينهار البيت بالكامل فتتضاعف الفاجعة.
لم تغب جود عن مغامرات أعمامها ورغبتهم في العثور عليها، لم ييأسوا في البحث عنها، ظلوا يتسللون عبر فتحة في بقايا الركام، إلى أن تمكنوا بعد ثلاثة شهور من العثور على بقايا جسدها الغض المتحلل، جمعوا بقايا جسدها، عبؤوه في وعاء فخاري قديم، أغلقوا الوعاء الفخاري، دفنوها في حضن قبر أبيها!

كن أول من يعلق
تعليق جديد
البريد الالكتروني لا يظهر بالتعليق