- طائرة إسرائيلية "أباتشي" تُطلق النار باتجاه المناطق الجنوبية من مدينة غزة
كلما رأينا أو سمعنا الأخبار الواردة من غزة، وشاهدنا الخراب الكبير الذي حلّ بالقطاع، إزددنا حزنًا وغضبًا، ومع مرور الوقت بتنا نسأل هل يكفي الحزن؟ وهل غضبنا الذي ننثره كلامًا على ورق، يشفع لنا أمام صيحات المكلومين والنازحين، وقد تعبوا من حياتهم وسط العذاب اليومي، وقد وصل بهم الحال إلى فقدان شغف البقاء على قيد الحياة، حين نسمعهم يصرخون ويستصرخون الضمائر التي لم تتحرك طيلة الأشهر التي مضت من عمر حرب الإبادة الجماعية، ولأننا بشر من لحم ودم، نجرب كل الوقت أن نكتب لا لنقدم اعتذارًا لغزة وأهلها، بل لتبقى الصورة حاضرة ولا تغيب الحقيقة، ومن أجل أن لا نعتاد أو يعتاد العالم على المشاهد، فتبدوا عادية في الزمن الرديء والبائس.
مدنٌ وأحياء من ركام، وخراب لم يسبق له مثيل، وجثث في الطرقات وجرحى لا يجدون العلاج، وسط حرب مستمرة من دون توقف، وتعثر دائم في سبل إبرام صفقة قد تحمل معها بقايا أمل، وقد تنقذ أرواحاً وممتلكات من عمليات القصف والتدمير، لكن حكومة الاحتلال لا تزال تتعنت، وترفض أن توقف حربها، وهي تواصل عمليات قصف الأحياء السكنية بالجملة؛ مربعات كاملة وعمارات بجميع طوابقها تغيب عن سطح الأرض.
الكارثة التي يعيشها القطاع بفعل هذه الحرب المستمرة جعلته قطعة فاقدة لأهلية العيش عليه، منكوبة ومنكوب كل من يعيش فيها، يتنقل الناس من نزوح إلى نزوح، ومن خيمة إلى أخرى، والخيمة لا تحميهم من قصف الطائرات ولا من رصاص القناصة، وهي شديدة الحرارة في صيف حار بلا غذاء ولا ماء ولا دواء.
يكتبون على صفحاتهم بالفيس بوك، يا الله "وين نروح"، هذه المرة العاشرة من النزوح، ثم يكتب آخر للمرة التاسعة ننزح إلى خانيونس، وتكتب إحداهن هذه المرة الخامسة عشرة التي ننزح فيها إلى رفح، وبين خانيونس ورفح عذابات النازحين تشهد على حجم المعاناة، وحجم المأساة التي يعيشها أهل غزة.
النازحون هذه الأيام تتكدس خيامهم على حافة البحر، فهم يعيشون كما يقال البحر من أمامهم والعدو من خلفهم وفوق سمائهم، ولا مفر أمامهم في محاولات البقاء على قيد الحياة. يقول محمود درويش في قصيدة مديح الظل العالي والتي كتبها عن حصار بيروت في العام 1982" لا شيء يطلعُ من مرايا البحرِ في هذا الحصارِ، عليكَ أن تجدَ الجسدْ في فكرة أُخرى، وأن تجد البلدْ في جُثَّةٍ أخرى، وأن تجد انفجاري في مكان الانفجار... أينما وَلَّيْتَ وجهكَ، كلُّ شيء قابلٌ للانفجارِ، الآن بحرْ، الآن بحرٌ كُلُّهُ بحرٌ، وَمَنْ لا بَرَّلَهْ لا بحرَ لَهْ". وتتواصل القصيدة حتى النهاية في شبه الأقدار ودورة التاريخ بين بيروت وغزة، تحت الحصار والخراب والدمار.
نرى النازحين يخرجون من مكان إلى آخر، ومن خيمة إلى خيمة، ونشهد رحلة المعاناة التي يعيشونها في ظل انتكاس الآمال والأمنيات، وفي ظل انعدام الصوت الدولي الداعي بجدية لوقف الحرب، والضغط على الاحتلال لعقد الصفقة التي يمكن أن ترفع بعض المعاناة عن كاهل الناس المعذبين في أرض غزة.
مدنٌ وأحياء من ركام، وخراب لم يسبق له مثيل، وجثث في الطرقات وجرحى لا يجدون العلاج، وسط حرب مستمرة من دون توقف، وتعثر دائم في سبل إبرام صفقة قد تحمل معها بقايا أمل، وقد تنقذ أرواحاً وممتلكات.