- طائرة إسرائيلية "أباتشي" تُطلق النار باتجاه المناطق الجنوبية من مدينة غزة
الاحتلال يُدخل المقدسيين في متوالية من الأزمات والمشاكل والمصائب، وبما يجعلهم في حالة من الاستنفار الدائم، والتأهب لخوض المجابهة والمواجهة لمخططاته ومشاريعه في التهويد والأسرلة على أكثر من جبهة في نفس الوقت، بحيث يريد من كل إنسان مقدسي، أن يشعر بأنه مستهدف في أدق تفاصيل حياته الشخصية، وبالتالي عليه أن ينشد الخلاص الشخصي والفردي، وأن لا يلتفت إلى الهم الوطني العام. احتلال يريد أن يوصل الإنسان المقدسي إلى قناعة بأنه وحيد وأعزل في المعركة والميدان، لا تنفعه لا حاضنة شعبية ولا وطنية، وأن "الكف لا يمكن لها أن تناطح المخرز". حرب شاملة يشنها الاحتلال على المقدسيين بلا توقف وبلا استراحات، وخاصة بعد معركة السابع من أكتوبر2023، تتجند فيها دولة الاحتلال بكل أجهزتها ومستوياتها ووزاراتها ومؤسساتها وجمعياتها الاستيطانية والتلمودية والتوراتية، والهدف فرض السيادة على المكان وتغيير واقع المدينة الجغرافي والديمغرافي ومشهدها الكلي من مشهد عربي- إسلامي مسيحي أصيل إلى مشهد يهودي تلمودي توراتي، وفرض الرواية الصهيونية على وجودها وتاريخها وإقصاء الرواية الفلسطينية، وممارسة كل أشكال التهجير والطرد والترحيل القسري، ضمن سياسة التطهير العرقي، من خلال "دسترة" و"قوننة" و"شرعنة" المشاريع والمخططات التهويدية، ولعل قانون ما يسمى بأساس القومية الصهيونية واحد من هذه المشاريع الخطيرة، ولكن في ذروة الهجمة على المدينة وسكانها، وفي ظل ما يشهده المجتمع الصهيوني أفراداً ومجتمع وأحزاب وحكومة ودولة من عنصرية وجنوح وانزيحات نحو اليمين والتطرف. هذه الوزيرة اليمينية المتطرفة، والتي تنتمي إلى حزب "يمينا" بقيادة بينيت رئيس وزراء الاحتلال السابق، هي نفسها عندما كانت وزيرة "العدل" في حكومة نتنياهو السابقة، أعلنت منذ آذار 2018 عن قرارها البدء في تسوية وتسجيل الأملاك في مدينة القدس، ودائرة تسجيل الأراضي استأجرت مكاتب ووظفت طواقم من الموظفين، وبدأت عملية التسجيل والعمل في العديد من الأحياء المقدسية، منها العديد من الأحواض في بيت حنينا، وصور باهر، والشيخ جراح، والعيساوية، والطور، وجبل المكبر، وشرفات، وبيت صفافا، وشعفاط، وحتى كفر عقب، وحزما، وأبو ديس والمؤسسات الكنسية والأديرة، وخصصت لهذه العملية ميزانية قدرها 50 مليون شيكل "14 مليون دولار".
صحيح بأن تلك الأحياء أو المناطق التي جرى اختيار تطبيق قانون تسوية الأملاك فيها، لم يكن بمحض الصدفة، فحكومة الاحتلال وما يسمى بالصندوق القومي اليهودي "كاكال"، يعتقدان بوجود ثغرات في تلك المناطق تساعد سلطات الاحتلال والصندوق على السيطرة على أكبر مساحة من الأراضي من خلال تطبيق قانون أملاك الغائبين، أو وجود مستوطنات قريبة في المنطقة، أو عدم وجود تسوية خلال الإدارة الأردنية.
ما يسمى بالصندوق القومي اليهودي "كاكال" خصص موازنة بقيمة 100 مليون شيكل خلال السنوات الخمس القادمة، للقيام بعملية تسوية الأملاك في القدس، وكذلك في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني 48، فهذا "الصندوق القومي اليهودي" يدعي أن الحديث يدور عن آلاف الدونمات في النقب والقدس الغربية والشرقية التي اشترتها شركات فرعية تابعة لـ"كاكال" على مر السنين، ولكن لم يتم تسجيلها في "الطابو".
وتدعي مصادر في "الصندوق القومي اليهودي" أنه يوجد في سجلاته حوالي 17 ألف ملف من المستندات التي قد تشهد على الصفقات والممتلكات التي يمكن تسجيلها بملكيته، "إذا خضعت لإجراءات بيروقراطية وقانونية مناسبة".
ويزعم "كاكال" أنه أبرم صفقات شراء هذه الأراضي قبل وبعد العام 1948، ولم تسجل في مكتب تسجيل الأراضي، وهذ الصفقات موثقة فقط في سجلات "كاكال" وشركات تابعة لها.
وأشارت التقديرات إلى أنه من بين الملفات التي سيتم فحصها وتسجيلها هناك حوالي 530 ملفاً في الضفة الغربية، و2050 ملفاً في القدس تشمل 2000 قطعة أرض في مدينة القدس، تصل مساحتها إلى 2500 دونم.
يدعي ما يسمى بوزير شؤون القدس الإسرائيلي في تصريح للقناة السابعة العبرية في 18-11-2020، أن إطلاق عملية تسجيل الأملاك والأراضي في القسم الشرقي في المدينة، تأتي لأنه فقط 5% من أراضي المدينة مسجلة في "الطابو"، وهذا مخالف للقانون، وأنه يتوجب على السكان دفع الضرائب على تلك الأراضي، وطبعاً منذ فترة شرائها والتي قد تمتد لعشرات السنين.
وهناك هدف مركزي من حملة تنظيم وتسجيل الأراضي، هو التأكيد على السيادة، وبأن القسم الشرقي من المدينة جزء من "القدس الموحدة".
على مدار 56 عاماً من الاحتلال، في أغلب القرى والبلدات المقدسية التي تقع تحت سيطرة بلدية الاحتلال، لم تجر عملية تسجيل للأراضي والعقارات، وهذا يعني عدم وجود مخططات هيكلية لتلك القرى والبلدات، وبالتالي عدم منح تراخيص للبناء للسكان، وعملية الحصول على تراخيص، هي عملية بيروقراطية معقدة تمتد من 10 – 15 عاماً، ما يضطر السكان للقيام بالبناء غير المرخص، وغالباً ما ينتهي ذلك بعد كل الغرامات والمصاريف والتكاليف التي تدفع إلى الهدم إما القسري الذاتي أو بواسطة "بلدوزرات" الاحتلال، وعملية الترخيص في القدس مكلفة جداً، رسوم ترخيص تصل ما بين 30 – 50 ألف دولار للشقة الواحدة بمساحة (100م2).
في ظل إطلاق مشروع تسوية وتسجيل الأراضي والعقارات في مدينة القدس، يقف المواطن المقدسي حائراً، هل يتعاطى مع عملية التسوية والتسجيل، أو يرفض ذلك من منطلق سياسي، كون ذلك مخالفاً للقانون الدولي، والقدس مدينة محتلة، وفق هذا القانون، أو يقوم بعملية التسجيل لأن ذلك يضمن له حقوقه في أرضه وعقاراته ويحميها من عمليات التزوير والبيع والتسريب، أو أن ذلك سيجر عليه وبالاً من المصائب ؟؟ فالضرائب التي ستفرض عليه، عن الأراضي التي سيقوم بتسجيلها، تكون كبيرة جداً، ويعجز عن دفعها، وبالتالي هو يسلم أرضه بيديه لـ"كاكال"، ما يعرف بالصندوق القومي اليهودي. فهذا الإنسان يعيش حالة من التناقض، أولاً القضية السياسية ورفض الاعتراف بشرعية ما يقوم به الاحتلال، والقضية الشخصية الذاتية، والرغبة في تسجيل أرضه وعقاراته "التطويب"، ولكن هذا قد يشكل مدخلاً للسيطرة على أرضه وأرض غيره، حيث العجز عن دفع الضرائب التي قد تفرض عليها، ناهيك عن أن 65% من أراضي مدينة القدس هي أملاك غائبين.
المستوى السياسي الرسمي الفلسطيني في المنظمة أو في السلطة ومرجعياتها المشكلة باسم القدس، وزارة ومحافظة ومؤتمر شعبي ..إلخ، ليس لديهم لا رؤية ولا منهجية ولا استراتيجية، ولا قراراً وإمكانيات مادية ولا آليات لكيفية مجابهة ومواجهة هذا المخطط والمشروع التهويدي. فقط بيانات وشعارات عامة وتصريحات ولقاءات ومقابلات إعلامية من باب رفع العتب، ولا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به.
مشروع تسوية الأملاك والأراضي في مدينة القدس، مشروع تهويدي بامتياز ويهدف إلى: تعزيز السيطرة على المدينة والسيادة عليها، تحت ما يسمى بـ" القدس الموحدة"، وتعزيز الاستيطان، وزيادة عملية الاستيلاء على الأراضي، وطرد وتهجير السكان الأصليين، وتفعيل وتطبيق ما يسمى بقانون أملاك الغائبين، بحيث تسيطر دولة الاحتلال على أملاك المقدسيين المقيمين في الخارج، أو حتى خارج القدس، في مدن الضفة. هذه العملية من شأنها إضفاء الشرعية على عمليات تزوير وتزييف الأراضي والممتلكات والقيام بتسريبها بشكل قانوني. المواطن المقدسي سيضطر إلى دفع مبالغ مالية باهظة كتكاليف على عمليات تسجيل الأراضي، وإدخال العائلات في خلافات واحتراب عشائري حول الملكية، وعدم توفر الأوراق والوثائق الثبوتية لعمليات التسجيل وإثبات الملكية.
إستناداً لكل ما ذكر سابقاً، فإن تسوية وتسجيل الأملاك في مدينة القدس المحتلة، هي خطوة سياسية بامتياز، وأن مدينة القدس جزء من الأراضي المحتلة عام 1967، وتنطبق عليها الاتفاقيات والقوانين الدولية، وتوعية المجتمع المحلي والمقدسي بمخاطر التسوية، وفضح وتعرية السياسات الإسرائيلية الرامية لتعزيز السيادة والسيطرة على القدس، ودعوة الجهات الرسمية لتحمل مسؤولياتها تجاه شعبنا الفلسطيني في مدينة القدس، والضغط على المجتمع الدولي لوقف عملية التسوية، وعدم تطبيق قانون أملاك الغائبين، وتشكيل مرجعية وطنية فنية وقانونية وسياسية لمتابعة تسوية الحقوق والملكية، وتقديم الاستشارة القانونية والفنية للمقدسيين، وأخذ الحيطة والحذر، فيما اضطرت عائلات للتعامل مع قانون تسجيل الملكية وأخذ استشارة قانونية وفنية.
هذا غيض من فيض حول مخاطر قانون تسوية الأملاك والأراضي، ويحتاج إلى منهحية ورؤية فلسطينية واضحتين في كيفية التعاطي معه، ودرء مخاطره التهويدية والاستيطانية. فهل صناع القرار وقادة المرجعيات يصحون من سباتهم العميق ؟؟!!
............
في ظل إطلاق مشروع تسوية وتسجيل الأراضي والعقارات في مدينة القدس، يقف المواطن المقدسي حائراً، هل يتعاطى مع عملية التسوية والتسجيل، أو يرفض ذلك من منطلق سياسي، كون ذلك مخالفاً للقانون الدولي، والقدس مدينة محتلة، وفق هذا القانون؟