- 10 شهداء على الأقل جراء غارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة السنافور شرقي غزة
كانت الجولة الأخيرة من العدوان على غزة، قد استحثت أراء فلسطينية متباينة، ووسعت هوامش النقد، على حساب هوامش الحماسة التي ترفض أي شكل من الاعتراض على إطلاق الصواريخ وتوقيت الإطلاق ولغة التوصيف المتفائلة بالنصر المبين. وفي الحقيقة، كان إطلاق الصاروخ من رفح الى تل أبيب، له أسبابه عند من أطلقوه، وعند كثيرين، بعد أن قتل جنود الإحتلال عدداً من الشباب في الضفة بدم بارد، وهاجموا الأسرى في مهاجعهم في النقب بضراوة. لكن المحتلين يتعمدون دائماً الفصل بين الأحداث، وبموجب هذا المنطق، يعتبرون قتل الشباب في الضفة شأن لا يهم سوى ذويهم، وأن الهجوم على الأسرى يتعلق بالأسرى وحدهم. وفي الحقيقة هم يعلمون أن الوجدان الفلسطيني موحد، وأن الرأي العام يتغذى سلباً أو إيجاباً من الوقائع الفلسطينية كلها، وأن المقاومة معنية بالرد على الإنتهاكات والفظاعات التي يقترفها الإحتلال!
وبعكس منطق الإحتلال عندما يفصل بين الفلسطينيين في حال ارتكاب القتل وممارسة الإعدامات الميدانية، ويريد من غزة ألا يكون لها شأن بجرائمه في الضفة، وألا يكون هناك حتى شأن للسلطة في الضفة بهذه الجرائم وبالضحايا؛ فإن هذا الإحتلال يصر على أن تتحمل حماس وغزة كلها، المسؤولية عن إطلاق قذيفة أو صاروخ من أراضيها. وهذا أحد أشكال الإستعلاء ومحاولة فرض أعراف تناسب قواته وأمنه. فعندما أُطلق الصاروخ من رفح الى تل أبيب، لم يعلن أحد مسؤوليته عن إطلاقه، وهذا سيناريو جديد ثبت أنه لا يُجدي نفعاً، لأن العدو في مثل هذه الوقائع يرانا موحدين!
لقد أصبحت كل عناصر المشهد وحقائقه العامة، معلومة من خلال تكرار السيناريو الذي يبدأ في غزة بالرد على جريمة للاحتلال بالقصف الصاروخي، ثن يحدث التصعيد، وينتهي الأمر بالوساطة ثم التوصل الى وقف لإطلاق النار، بعد أن نكون قد خسرنا الكثير، بحسابات الميزان. ولا يختلف اثنان، بعد كل التجارب والجولات، على أن الأمر سيراوح في هذا المربع، طالما بقيت الأوضاع العامة كما هي، أي طالما بقي الإنقسام مستمراً، والخصومات والسجالات تتواصل بسببه، والأطراف كلها عاجزة عن المبادرة، لا تغير ولا تبدل، والنظام السياسي الفلسطيني عاجز حتى عن استعادة مكوناته ومؤسساته وعقله، والمجتمع الفلسطيني مستهدف، ولا شيء إيجابياً يلوح في الأفق!
الآن لنتحدث بصراحة ولنطرح بعض الأسئلة: هل وصلت حماس أو يمكن أن تصل، الى قناعة بأن لا مستقبل لإدارة عمل عسكري من قطاع غزة، طالما أن العدو لا يتورع عن تدمير المنطقة من الجو؟ وهل صدقت حماس بعد التجربة الطويلة، أن من حاولوا التوصل الى تسوية متوازنة قدر المستطاع، لم يكونوا خائنين ومقصرين مثلما وصفتهم أدبياتها الأولى؟ وهل تنبهت حماس الى أهمية الحفاظ على الحياة الطبيعية للناس وتوفير المناخ الإقتصادي الإجتماعي لهم لكي يترسخ الشعب في أرضه، دون تفريط في الحقوق؟ وهل أدركت الآن أن انقضاضها على السلطة في غزة بقوة السلاح، هو الذي أتاح لشخص واحد، أن يتفرد في الحكم وأن يتمادى في تدمير المؤسسات وإطاحة القانون والوثيقة الدستورية، وأن ذلك الفعل الأحمق، أوصل حماس نفسها الى هذه الحال التي أصبح فيها من أعز الإنجازات التي يمكن أن تحققها، وعداً للصيادين بأن يتوسعوا في حركتهم قليلاً؟ وهل أدرك طرفا الخصومة، أن الإنقسام فتك بالنظام الوطني وأوقع المقاومة في ألف قيد، وأحرق الورقة السياسية، وأنتج العسكر الذي ينقض على ناس غزة بكل غِل، وأوصلنا الى الحضيض؟
إن ما نحتاجه في هذه المرحلة، هو النظر بعقلانية لواقعنا ولمعطيات المواجهة مع الإحتلال، لكي نحدد وجهتنا بشجاعة. فليس عيباً أن نعترف بأن المواجهة المباشرة مع جيش موصول بالقدرة العسكرية الأمريكية، ليست خياراً متاحاً وأنها ليست الخيار الوحيد لكي نظل ممسكين بثواب قضيتنا العادلة. فليعترف المجاهدون الكرام لغزة، ببعض الحق الذي اعترفت به إيران للنظام السوري، وباركت صمت جبهته لأربعين حولاً. فالناس تريد أن تعيش، والسلطتان في الضفة وغزة أفلستا، وما تبقى من العقل، يمكن أن يكفي للاحتكام الى الشعب. لا سيما وأن ركام عناصر الإحباط والموت والخيبة قد أصبح هرماً عالياً، لا بد من إزاحته!