- استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة في الشارع الرئيس في مخيم نور شمس
ليت للقلوب شكل وأريحية المخابيء أو الزعانف، لكي يحتوي، أيٌ منها، عمر أبو ليلى، فيتيح له أن يأمن على نفسه وأن يلقى الحفاوة، شاباً صنديداً، تكثفت فيه روح الفلسطيني الذكي الشجاع، الذي تجاوز عن حسابات الخوف، وعن اللغة الوضيعة، وعن أوهام الرعديدين الذين يحسبون كل صيحة عليهم، فأهان الغزاةَ المتغطرسين، المتطفلين على أرضنا وحياتنا!
في تلك الساعة، وعندما كانت الناس والأحوال في بكاء مطلق، خرج الفتى من القفص الحزين، ومن حيثما تكظم العصافير غيظها، لكي يفعل ما أراد، على غفلة من المحتلين والراضخين والحيارى، فتبدى سِفْر خروجه، في ناظر الفلسطينيين، زهرة لوز تفتحت في غير موسمها، تطرد بعطرها رائحة الليل البهيم!
أين أمضى عمر ليلته الأولى طريداً؟ ليته استطاع أن يمسح عينيه في شغاف أفئدتنا، لكي يظل ملتهب اللفتات ساهراً مُحاذراً، ثم يأخذ طير البرق حمائم روحه، الى ينابيع سلفيت القديمة، لكي تُسقى منها كلها: عين السكة، وعين عدس، وعين موسى، وعين الشلال، وعين فريج وسائر العيون!
كان الفتى، في ساعة خروجه، يحمل مِشكاة الحزن ولهيب الغضب وجُرح التأسي على من يتحججون ببرد الشتاء وحرارة الصيف، لكي يُقبّحوا وجه التاريخ وواجبات التمرد، ويؤلبوا العصبيّات، وينعشوا أسواق الذمم. خرج الفتى لكي يكتب فينا، ويوقظ فينا، ويترنم بأناشيد الثورة وأيام العز، قبل أننرى سحنات هؤلاء الذين أرادوا أخذنا الى مساحات الغسق الغامض!
لعل عمر، يأخذ الآن بعض قسط من الراحة أو يغط في نومٍ ورديْ، دون أن يغفو أنفه المتحفز، أو أن يكف عن شم رائحة الخطر النجس من بعيد. فلن يكون الثائر الذكي الشجاع إلا عاشقاً، ومن حق العاشق أن يستريح قليلاً، أو ينام دون أن تغفو معظم الحواس!
زهرة لوز تفتحت في غير موسمها، لكي تطرد رأئحة الليل البهيم. كأنما رأى عمر، صوراً تقدح في الأفق، تتبدى فيها الجموع الشعبية وقد أُخذت سبايا، في كل موضع، لدى الأدعياء الذين حملوا طويلاً أضدادهم في دواخلهم، وانتهوا الى المجاهرة بالارتداد عن كل شي: القوانين الناظمة، والتقاليد الراسخة، والتقوى المزعومة، والأولويات القديمة والعناوين الموقرة!
لم لا؟ وما هو المنطق في الإستغراب والإندهاش، إن كان التاريخ لم يتحرّج من إبلاغنا صراحة، أن من صنعوا الفتن الأولى، بعد وفاة النبي المصطفى عليه السلام؛ كانوا من رهط صحابته؟! فمن ذا الذي كان في مقدوره، من الصادقين الصالحين، أن يعرف من هم الذين سيرتدون لاحقاً، عباءات الأفاعي في لحظات رِدة الديانة، أو رِدة الثورة؟!
عمر أبو ليلي، الشجاع الذكي، في لقطته الفدائية القصيرة البليغة، أرسل الكثير من الإشارات: أيها الأوغاد المحتلون، سنقاتلكم جيلاً بعد جيل، لكي ترحلوا من أرضنا. أيتها الطواويس الصغيرة، لا تتوغلي في التيه والسفاهة والغلاظة. أيها المتعجرفون جميعاً: كُفّوا عن اقتراف الكبائر، ولا تتوهموا أن طائر النورس قد لفظ أنفاسه الأخيرة، فلا يغرنكم أنه ينوء الآن بِثِقَل جناحية المجروحيْن.
ليت لقلوبنا شكل وخاصية الزعانف أو المخابيء، لكي يحتوي أيٌ منها عمر، فيتيح له أن يأمن على نفسه وأن يلقى الحفاوة، شاباً صنديداً!