- مراسلنا: شهيدان في قصف الاحتلال منزلا لعائلة معمر في منطقة ميراج جنوبي خان يونس
كان رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو بحاجة إلى شن عدوان على غزة فى هذا التوقيت، فالمعركة الانتخابية دخلت مرحلتها الأخيرة، والنجاح الذى كان واثقا من تحقيقه لم يعد سهلا، وهناك منافسة شديدة ومخاوف قوية من أن يفقد الأغلبية.
لماذا تغير الحال على الساحة السياسية فى إسرائيل خلال أسابيع قليلة، وتبدلت ثقة نيتانياهو إلى قلق؟ وهل انتقل الانقسام من داخل الولايات المتحدة إلى إسرائيل، وسيدفع نيتانياهو ثمن تحالفه الوثيق مع الرئيس الأمريكى ترامب، ولهذا تخلت عنه المنظمة اليهودية إيباك المرتبطة بالدولة الأمريكية العميقة المشتبكة مع ترامب؟. جميع المنظمات الفلسطينية نفت مسئوليتها عن إطلاق صاروخين باتجاه تل أبيب لأول مرة، ولم تكن هناك مقدمات تبرر هجوما صاروخيا فلسطينيا على تل أبيب، سوف يستدعى ردا إسرائيليا عنيفا، يرفع أسهم نيتانياهو، فمن أطلق الصاروخين، وهل فعلا جرى الإطلاق من غزة؟ أم أنها لعبة ما تستهدف تعويم نيتانياهو ورفع أسهمه؟ الارتباك الإسرائيلى كان واضحا حول حادث إطلاق الصاروخين، فقد تضاربت التصريحات حول عدد الصواريخ، وما إذا كانت القبة الحديدية قد اعترضتها، وهو تضارب ليس معتادا فى إسرائيل التى تراقب الأجواء فى غزة لحظة بلحظة، وهو ما يعنى أن شيئا غير مألوف قد حدث، وفى أول هجوم صاروخى فلسطينى على مقر الحكومة الإسرائيلية وعاصمتها ورمزها.
شيء آخر غير مألوف، وليس له سوابق فى العلاقة العضوية بين إسرائيل والولايات المتحدة، فقد كانت إسرائيل وحكومتها فوق كل نقد دائما، ويتبارى على كسب رضاها كل من الحزبين الديمقراطى والجمهورى اللذين يتبادلان حكم البيت الأبيض، لكن المنظمات اليهودية فى الولايات المتحدة إيباك انتقدت نيتانياهو لأول مرة فى تاريخ المنظمة، وتخلت عن سياسة تأييد أى حكومة إسرائيلية مهما اقترفت من أخطاء، فانتقدت إيباك سعى نيتانياهو إلى التحالف مع أحزاب عنصرية ليضمن الأغلبية فى الانتخابات، فى إشارة إلى حزبى كاهانا وعظمة اليهود، ولم يسكت نيتانياهو واتهم إيباك بالتلميح بأنها تدعم اليسار الإسرائيلي، ووصف منتقديه بالنفاق وازدواجية المعايير. إن منظمة إيباك التى تضم جميع المنظمات اليهودية اليمينية، وتعقد مؤتمرا سنويا يحضره 20 ألف مندوب من كبار رجال المال والأعمال والسياسة والإعلام فى الولايات المتحدة خرجت عن أعرافها، وأبدت غضبها من سياسة نيتانياهو، الذى يمضى من اليمين إلى اليمين الأكثر عنصرية فى نظر قطاعات مؤثرة داخل الولايات المتحدة، وفى مقدمتهم خصوم نيتانياهو من أمريكا العميقة والكونجرس، الذين يعرفون دور نيتانياهو فى دفع ترامب إلى الخروج من الاتفاق النووى مع إيران، وبهذا أصبح نيتانياهو طرفا فى الصراع الدائر فى الولايات المتحدة، شاء أم أبي، ومهما حقق من مكاسب لإسرائيل لأنه سيكون أول رئيس وزراء يجعل سياسات إسرائيل قضية خلافية داخل الولايات المتحدة.
ليس أمام ترامب إلا مواصلة مساندة نيتانياهو، فأصدر قرار الاعتراف بضم الجولان السورى إلى إسرائيل، وهى ورقة مهمة تعزز مكانة نيتانياهو، رغم أن ترامب يعانى من عجزه عن طرح صفقة القرن لأن نيتانياهو لم يدع له أى فرصة ولو قليلة لكى تنجح، فنيتانياهو يريد كل شيء، ولا يريد منح الفلسطينيين أى شيء، وهو ما يعنى عدم إمكانية طرح أى مبادرة علنية، والاكتفاء بالصفقة الشبح التى فشل عدة مرات فى طرحها على الملأ. يبدو أن نيتانياهو مضطر إلى المقامرة، وإلقاء كل أوراقه دفعة واحدة، سواء بمغامرة شن عدوان على غزة وربما سوريا لاحقا، فهو يشعر بأنه على حافة الفشل الذى لا يحتمله، فهو يواجه ثلاث تهم بالفساد، وعندما أعلن عن انتخابات مبكرة كان يظن أنه يقف على أرض صلبة، وأن نجاحه مؤكد، لكن ظهر له منافس قوى وهو حزب الأزرق ـ الأبيض وهو تحالف للوسط يحظى بدعم متزايد، ويهدد بإطاحة حكم نيتانياهو الذى يحلم بفترة خامسة، ولهذا يعتزم السفر إلى الولايات المتحدة وحضور مؤتمر منظمة إيباك الذى يسبق الانتخابات الإسرائيلية بأيام، ويلقى خطابا يحاول فيه رأب الصدع مع أكبر المنظمات اليهودية. المأزق الذى يواجه إسرائيل ناجم عن شعور الإسرائيليين بالقلق من المستقبل، وعجز دولتهم عن فرض كلمتها بالحرب أو بالسلم، ولهذا ترتفع أسهم اليمين العنصرى الذى يعبر عن استفحال الأزمة وليس حلا لها، وتتلاقى أزمة نيتانياهو مع أزمة الإدارة الأمريكية العاجزة أيضا عن إعادة فرض كلمتها على العالم، ويتضح كل يوم فشلها وتراجعها، وكلما اشتدت الأزمة تقدم المتطرفون المشهد، بخطاب غوغائى يخفى الخوف والحقائق المؤلمة، ويراهن على الأساطير والخرافات التى لا يمكن أن تكون علاجا للمرض، بل تعبير عن اليأس من العلاج.
الأهرام المصرية