الحالة في فلسطين ستؤول إلى «العرقنة»

في 22 مارس 1945 تم التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية من قبل مندوبي الدول العربية المؤسسة والمستقلة في حينها:  مصر، سوريا، العراق ، الأردن ، لبنان، السعودية واليمن. وتبعتها ليبيا والسودان والمغرب والكويت.

من الجدير بالذكر أن حالة التحرر العربي بمعناها الدولاني المستقل بدأت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وإكتملت برحيل الاستعمار البريطاني من الخليج العربي، لتصبح عمان والبحرين وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة، وانضمامهم في سبعينيات القرن العشرين للجامعة العربية، وتبعتها موريتانيا والصومال وجيبوتي وجزر القمر.

فلسطين  كانت تحت الانتداب البريطاني قبل نشوء جامعة الدول المستقلة العربية، ولم تستقل بسبب تسليم بريطانيا دولة فلسطين عند إنسحابها للعصابات الصهيونية لتقيم مكانها دولة إسرلئيل في ١٤مايو/ أيار ١٩٤٨.

في العام ١٩٥٢ منحت فلسطين عضوية جامعة الدول العربية، وفي العام ١٩٦٤ أصبح رئيس منظمة التحرير الفلسطينية هو مندوب فلسطين لدى الجامعة العربية.

آلت الحالة في فلسطين ومنذ الربيع العربي لما يشبه حالة سوريا وليبيا واليمن الآن في محاولة البحث عن مخرج لتداعيات ما جرت فيها من أحداث، خاصة عدم سيطرة السلطة المركزية على كامل مناطق سلطتها، ولا تشبه بالتأكيد حالة مصر وتونس، فهما نموذجان مختلفان حيث كانت السلطة المركزية تسيطر على كامل مناطق سلطتها، لكن الحالة الفلسطينية  تتطابق تماما مع الحالة العراقية من حيث بدء الصراعات على السلطة في وجود إحتلال أمريكي، سبق محاولات مكونات المجتمع العراقي الجديدة للظفر بالسلطة مع بدء إنسحاب هذا الاحتلال وأثنائه تماما مثلما حدث من إستيلاء حماس على قطاع غزة وطرد السلطة المركزية إلى الضفة الغربية، ونحن مازلنا تحت إحتلال صهيوني سابق على هذا الصراع على السلطة، لكن العراق كان ولازال تحت نفوذ أمريكي وإيراني وتركي حيث لعبت هذه  الدول بتفاوت دورا كبيرا في فرض التشكيل الحالي لموازين القوى الحزبية والمجتمعية، وسوف تعاني منه العراق لفترات طويلة، لكنه أصبح أمرا واقعا متعايشا معه إلى حد كبير من قبل الشعب العراقي رغم المطامع الكامنة لدى كل الأطراف العراقية.

الواقع الفلسطيني مازال يتشكل بنفس الطريقة، ونفوذ دول أكثر عددا تتداخل هنا في الوضع الفلسطيني، مثل تركيا وقطر وإيران ومصر بحكم حدودها وعمقها الاستراتيجي في قطاع غزة، والمملكة الأردنية بحكم العلاقات التاريخية مع الضفة الغربية وولايتها على الأماكن المقدسة، وكذلك بقي وسيبقى الاحتلال الإسرائيلي اللاعب الأقوى في الحالة الفلسطينية، كما كان ولازال اللاعب الأمريكي أو الإحتلال الأمريكي في العراق الذي قد يكون قد قلص عدد جنوده، لكن بقي المايسترو الذي بدون موافقته لا تتم أي محطات أو تغيرات إستراتيجية في النظام العراقي وفي دولة العراق، لكن العراق الآن أنهى كثيرا من مشاكله ويحاول إستعادة نظام ديمقراطي وكذلك إستقلاله من جديد بتوافق مع دول النفوذ، طبعا أمريكا وإيران وتركيا، وهذا هو العراق الجديد..  أي بمعنى أن النفوذ  الإيراني والأمريكي والتركي سيتواصل لزمن طويل جدا إذا ما حلم العراقيون باستعادة إستقلالهم الحقيقي الذي كان قبل الغزو الأمريكي واحتلال العراق.

أما في فلسطين فكان الإحتلال الإسرائيلي موجودا حين اختلف الفلسطينيون على السلطة والحكم، ودخلت كما ذكرنا أطراف أخرى على الخط الفلسطيني بتفاوت،  وأصبح لها نفوذ أيضا رغم بقاء النفوذ الإسرائيلي هو الأقوى تماما كما حدث في العراق، فهل يتدرج الواقع الفلسطيني بتداخلات المتداخلين  ووجود نفوذ الإحتلال القوي وعدم نضج القيادات والأحزاب الفلسطينية، وعلى رأسها حماس وفتح، ونتاج ذلك كان عقم محاولات المصالحة وبقاء الحال على ما هو عليه مع إضافات تدميرية لطرفي الصراع مثل العقوبات ورفض المصالحة وبالتالي إعاقة أي إنتخابات ودخول صفقة ترامب حيز التنفيذ؟؟

وهل تتدرج الحالة الفلسطينية الكامنة الآن ومنذ الاشتباكات الدموية المسلحة قبل إثني عشر عاما نحو محاولات عنفية جديدة مر بها العراق قبل وصول الأطراف المتداخلة في العراق لحالة من الهدوء أفضل من السابق بعد أن زحفت قوى لمواقع نفوذ سياسي وعسكري وجغرافي أصبح واقعا في الخارطة العراقية الآن؟؟

هل تحاول حماس بسط سيطرتها لمناطق جديدة مثلا في الضفة الغربية؟.. أو تحاول فتح بسط سيطرتها على مناطق في قطاع غزة ؟

وهل ندخل في حرب تفجيرات يدفع ثمنها الجمهور كما دفعها في العراق؟

أو تنمو قوة جديدة بفعلها العنيف لتجد لها مكانا في اللوحة القادمة بعد أن يتوافق الجميع على بقاء نفوذهم في الحالة الفلسطينية تماما كما حدث في العراق؟

ليس لديا إجابة قاطعة، ولكن القاطع فعلا في رأيي أن الواقع السابق لحال فلسطين لن يعود كما كان قبل إنقلاب حماس، وسيتبع ذلك ما تبع في العراق من تقاسم نفوذ الدول الأخرى. وهنا إسرائيل كما هناك أمريكا.

الأوضاع القادمة إذا ما حلم الفلسطينيون بالعودة لما كان قبل إنقلاب حماس من إستقلالية فهم بحاجة لزمن طويل تماما مثلما حدث ويحدث في العراق، وكما سيحدث في باقي دول الخلافات على السلطة وتداخل نفوذ الآخرين بها ولن تعود مستقلة حقيقة.