يبدو أن الكلام السياسي، فقد كثيرا من قيمته الحقيقية في زمن الانحدار الوطني العام، والذي يسود بقايا الوطن، منذ أن قررت الطغمة الحاكمة في تل أبيب الخلاص من الخالد الشهيد المؤسس ياسر عرفات، كشرط الضرورة لتنفيذ مشروعها التهويدي مقابل تدمير المشروع الوطني الفلسطيني، ويبدو أنها حققت أكثر مما تمنت أو تخيلت.
منذ فترة، واروقة فصائل النكبة العامة بكل مسمياتها، تتقاذف بينها مسألة الانتخابات العامة، بشكلها الرئاسي والتشريعي، دون ان تدقق أن ذلك عمليا يقود الى الغاء الهدف الوطني المشروع بالخلاص من آثار المرحلة الانتقالية التي طال أمدها أكثر من عشرين عاما، رغم صراخهم ليل نهار بالتخلص من "كارثة أوسلو"، ومساهمة عملية في هروب رئيس سلطة الحكم المحدود من تنفيذ قرارات المجالس الرسمية، بفك الارتباط مع الكيان واحتلاله بكل الأشكال، ومنها سحب الاعتراف المتبادل مقابل تنفيذ قرار الأمم المتحدة الخاص بإعلان دولة فلسطين عام 2012.
أي انتخابات نريد، سنترك ذلك الى حين لاحق، ولنقف أمام ما تم تداوله إعلاميا، بأن رئيس سلطة رام الله محمود عباس طلب بإجراء الانتخابات "التشريعية" فقط، ما يكشف أول ثغرة حقيقية في لا جدية المسالة قيد البحث، وان تناولها ليس سوى "مسرحية" لترسيخ حكم الفرد، في بعض "مناطق الضفة" ضمن المسموح به من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
ما حدث يوم 21 يناير 2019 كشف بعضا من جوانب تلك المسألة، فمن يقرا تصريحات مدير اللجنة المركزية للانتخابات هشام كحيل يمكنه فورا أن يعلم حقيقة الأمر دون إرهاق، بأن مسألة الانتخابات ليس سوى "كذبة مضافة" يتم قذفها في سوق النخاسة السياسي القائم راهنا، خاصة بعد تصريحات "نجم التيار العباسي الجديد" ومنسق ارتباطه مع سلطات الاحتلال حسين الشيخ.
كحيل، لخص المسألة بكلمات موجزة "إجراء الانتخابات لا يتطلب فقط الجهوزية ووضع خطط تنفيذية وإنما يجب أن يسبق ذلك تهيئة الأجواء اللازمة لعقدها بحرية تامة"، وهناك "تحديات داخلية تتعلق بتوافق الأطراف الفلسطينية على إجراء الانتخابات في ظل استمرار الانقسام الداخلي، وترتبط كذلك بإسرائيل في ظل فرضها حصاراً على قطاع غزة والضفة الغربية، إضافة إلى وضع مدينة القدس الخاص الذي هو بحاجة لتدخلات سياسية إقليمية ودولية".
كلام يحمل جدية مهنية عالية، دون التدخل في طبيعة تلك الانتخابات، لدولة أم لسلطة تشريعية رئاسية اوتشريعية، ام لا شيء، فقط وضع الأسس الكفيلة لضمان حدوثها ضمن ظروف مناسبة، وكل ما بها يؤكد أن الانتخابات غير ممكنة في ظل القائم، الانقسام وواقع القدس.
مقابل جدية مهنية، سمعنا الشيخ، يتحدث باستخفاف نادر، عن القدس "والمعركة" التي سيخوضنها، وهم فقط قبل ساعات من "معركة التلفزيون" قاموا بتسليم اهم سمسار وبائع أراضي في القدس، بعد أن تشدقوا بأنهم أيضا "لن يسمحوا بالمساس بأرض القدس"، تحت بصرهم تفعل دولة الكيان كل ما تريد فعله تهويدا واستيطانا ومصادرة، حتى خيمة "الخان الأحمر" اختفت من جدول أعمالهم "الإعلامية".
يبدو ان التيار العباسي يصر على ممارسة التجهيل السياسي العام، بمقارنة موافقة دولة الكيان وبطلب أمريكي، على انتخابات 2006 في القدس، دون ان أن يشير أنها بتلك الموافقة لم تنازل عن مشروعها فيها، بل لأنها تعلم أن نتائج تلك الانتخابات هي "الخير السياسي الأهم" لها ولمشروعها، فكانت الموافقة، وليس بسبب "معارك دونكيشوت المعاصر".
والقول إن "الرئيس" سيضمن حرية الانتخابات في الضفة، تمثل قمة الهزل، بل والعيب السياسي، فمن لا يملك من أمره الأمني سوى الحق في منع أي عمل كفاحي ضد المحتلين، وملاحقة كل معارض لسياسته المصائبية، كيف له ان يضمن لحماس الحركة والتجوال والدعاية لـ "العمليات العسكرية"، والمطالبة بإسقاط عباس وانه لم يعد شرعيا، بل ان رسالتهم الأوضح انه لم يعد ذي صلة.
الاعتقاد بحسن نوايا دولة الكيان، بأنها ستوافق على انتخابات في القدس وحرية الدعاية في الضفة، ليس سوى قمة الغباء أو السذاجة السياسية في أحسين الأحوال، وفي غيرها لها صفة وتسمية أخرى!
ملاحظة: بيان الاتحاد الأوروبي حول الانتخابات لم يحدد هل يؤيد انتخابات رئاسية وتشريعية ام موافقا لما أراده عباس...بدها حسبة جديدة ممن يتحدثون عن "الديمقراطية وحقوق الانسان" وقبلها "الشفافية" واي شفافية في العهد العباسي!
تنويه خاص: حلوة صورة العصير الإسرائيلي على طاولة وزير العمل في رام الله...الأحلى انه امر شبابه بحذف الصورة فورا، وتناسى أن الفضيحة مش نشر الصورة بل بما كان من شراء عصير يا مسيو مأمون!