في خضم الحرب الكونية التي تجري على الأرض الأوكرانية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وتوحد التحالف الأمريكي الغربي، ولم يعد النظام العالمي القائم قبل الغزو الروسي والذي نعرفه كما هو. الحرب مشتعلة ونواجه صعوبة في التعرف على التغييرات الجراية ومدى القدرة على استيعابها. نحن في البداية فقط ننتظر متغيرات دولية كثيرة قد تحدث.
وفي ظل الصراع بين الدول الكبرى قد يظهر صراع وتوتر أصغر في مناطق أخرى من العالم، وتتكون نوع من الجرأة بين تلك القوى، وهي مستمرة وستستمر في المستقبل القريب, كما يجري الان في الحرب غير المعلنة بين إيران وإسرائيل، والتهديدات الردعية المتبادلة والرسائل العسكرية الصاروخية الباليستية الردعية من قبل إيران، والهجمات السيبرانية، واحتمال تأجيل التوقيع على الاتفاق النووي بين ايران والغرب بسبب شروط روسيا.
في وسط ذلك يجد الفلسطينيون أنفسهم وسط حرب كونية ومصالح متشابكة وازدواجية معايير، وتبني القيادة الفلسطينية موقف حيادي من الأزمة، ومن الصعب فهم المزاج العام الفلسطيني، بين التضامن مع الضحايا واتخاذ موقف من الغزو والاحتلال، وهم يدركون معنى ذلك، ويعيشون تفاصيله يومياً.
والنفاق والزيف الدولي الغربي وانكشافه الأخلاقي، وازدواجية المعايير في التعامل مع عدالة القضية الفلسطينية، والإجراءات الصارمة والسريعة التي اتخذت ضد روسيا، بالمقارنة مع ما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي من إنكار للحق الفلسطيني منذ 74 عاماً، وارتكاب الجرائم اليومية، والقلق من أن الأزمة الكونية ستعمل على تهميش القضية الفلسطينية على جدول الأعمال الدولي.
العالم يتغير ودولة الاحتلال لم تتغير، وتعمل على استغلال الأزمة الأوكرانية لتعظيم مكاسبها ومنافعها، ومستمرة في سياساتها الاحتلالية والاستيطانية والتمييز العنصري، وارتكاب مزيد من الجرائم من إعدامات ميدانية والقتل اليومي، ومصادرة الاراضي واستباحة مدن الضفة الغربية والاستيلاء على منازل المقدسيين، وهدم المنازل في الضفة والقدس والداخل، وتمارس الانتهاكات والاعتقالات اليومية من أجل السيطرة واخضاع الفلسطينيين.
وفي الوقت نفسه يحذر مسؤولي الاجهزة الامنية الإسرائيلية من تصعيد أمني في الأراضي الفلسطينية.
وجاء ذلك خلال موسم الحج الذي قام به هؤلاء المسؤولون إلى الولايات المتحدة الامريكية، وفي مقدمتهم رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك"، ونائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرتسي هليفي، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، أهارون حاليفا.
وركز المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين خلال زيارتهم إلى واشنطن. ما يجري في الساحة الفلسطينية، وأن ثمة احتمال لتصعيد أمني، خاصة في القدس، خلال شهر رمضان المقبل.
المثير هو تقديرات أولئك المسؤولين، والزعم أن ثمة احتمالا لاشتعال الوضع الأمني، وأبلغوا مسؤولين أميركيين.
ولم ينفك قادة الأجهزة الأمنية والجيش من التحذير منذ فترة تصعيد كهذا، خاصة بسبب مسيرات استفزازية ينظمها اليمين الإسرائيلي في القدس، خلال عيد الفصح اليهودي، الذي سيحل خلال شهر رمضان، وتوقعات بمشاركة نحو مئة ألف يهودي في هذه المسيرات.
ممارسات واستفزاز المستوطنين وارهابهم لم يتوقف وهو بغطاء وحماية الجيش الاسرائيلي، والحقيقة أن الأراضي الفلسطينية مشتعلة والمقاومة الفلسطينية مستمرة بأشكالها وادواتها المختلفة في القدس والضفة الغربية، ومستمرة لمواجهة الاحتلال وجرائمه، وهي ضمن سياقاتها الشعبية النمطية والمتعددة الاشكال في مقاومة الشعب الفلسطيني منذ النكبة.
المسؤولون اسياسيون الإسرائيليون زعموا إلى أن الوضع في غزة هادئ "بشكل غير مألوف"، وأن إسرائيل قررت زيادة عدد العمال الغزيين من 10 آلاف إلى 12 ألفا، وأن عددهم سيزداد أكثر في حال الحفاظ على الهدوء الأمني، وأن الضفة الغربية تشهد غليانا، لكن لا توجد تحذيرات استراتيجية أو استخباراتية لاندلاع مواجهات واسعة.
في المقابل قال أفيف كوخافي، رئيس هيئة الاركان في جيش الاحتلال الاسرائيلي: "إن ما فعلناه في عام 2002 بالضفة الغربية خلال عملية (السور الواقي)، يمكننا فعله أيضا في قطاع غزة، وبطريقة أكثر فعالية، لا يوجد من مكان لا تستطيع قواتنا الوصول إليه.
تبدو هذه التقديرات والتحذير بانها توجه الاتهام للفلسطينيين بالمسؤولية عن اشعال المنطقة والتصعيد، وخلقت وترات في خضم الازمة العالمية، وقد تكون رسائل تهديد وابتزاز وتخويف للفلسطينيين، وهي تنفيذ لسياسات حكومة الاحتلال الإسرائيلي وكي وعي الفلسطينيين، وتشكيلها اليميني المتطرف، وما يسمى الوسط واليسار الصهيوني والمدعومة من قائمة منصور عباس.
وفي استعراض للجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال منذ بداية العام 2022، وحتى يومنا هذا سقط نحو 20 فلسطينيا، منهم اليوم الثلاثاء، قتلت قوات الاحتلال ثلاث شهداء في الضفة والنقب.
إضافة إلى عطاءات لمئات الوحدات السكنية الاستيطانية في الضفة الغربية، وكذلك مصادقة حكومة الاحتلال على إقامة مدينتين يهوديتين جديدتين في النقب، ضمن مخطط "كسيف" الذي يقضي ببناء 20 ألف وحدة سكنية من أجل إسكان ما بين 100 ألف و125 ألف حريدي فيها.
سياسات حكومة الاحتلال مستمرة، في الوقت التي تحذر من تصعيد واشعال القدس والضفة المشتعلة أصلاً، تعمل على عدم التقدم في أي مسار سياسي، والتي لا تزال القيادة الفلسطينية في انتظاره، مع ان سياسات حكومة الاحتلال واضحة، وهي تسويق ما يسمى الحل الاقتصادي، وهو عبارة عن مجرد تقديم تسهيلات في الضفة وقطاع غزة بزيادة أعداد العمال، من دون أي تغييرات حقيقية في سياستها تجاه القطاع..
في ظل عالم متغير، واضح أن الفلسطينيين وفي مقدمتهم القيادة الفلسطينية لم تتغير ولا تدرك هذه التغيرات، وكشف زيف الغرب وهي لا تمتلك القدرة على الفعل الوطني، والاستمرار في تأبيد الانقسام. والاستئثار والتفرد في السلطة، وتوثيق وتعزيز العلاقة مع دولة الاحتلال، وممارسة سياسة الانتظار في الانفاق وموافقة دولة الاحتلال على فتح خط مسار سياسي، والاكتفاء بإصدار بيانات الاستنكار. ولا تمتلك أي خطة وطنية لمقاومة الاحتلال والاستفادة من ما يجري عالميًا وعدالة القضية الفلسطينية.
مع أن ما تقوم به دولة الاحتلال خطير جداً، وترك الشعب الفلسطيني وحيداً من دون ظهر وحماية ودعم في مقاومة الاحتلال وتعزيز صموده، واستهداف الكل الفلسطيني وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، ودولة الاحتلال ماضية في استكمال مشروعها الاستعماري الصهيوني والتنكر للحقوق الفلسطينية.