- مصابون جراء قصف مدفعي إسرائيلي استهدف منطقة الشعف في حي التفاح شرقي مدينة غزة
رغم متحورة «أوميكرون» التي أبقت على أجواء الانكماش بين الدول، وأبقت على عدم فتح الحدود على مصراعيها ومرور التواصل الواقعي بين كافة أرجاء العالم، إلا أن تعايش البشر مع «كورونا» بمتحوراتها خلال عامي 2020، 2021، يعني أنه إذا كان حال تجاوز التقوقع والانكماش لن يكون أفضل، فإنه لن يكون أسوأ، بمعنى أن العالم سيواصل العيش والحياة، ومن ثم التفاعل، كذلك سيواصل القادة القيام بواجباتهم تجاه ناخبيهم، والأهم سيواصل قادة العالم البحث عن حلول، حتى لو لم تكن نهائية لما يشهده العالم من توترات ومشاكل إقليمية ودولية عديدة.
في مقدمة هذه الملفات إضافة لمشكلة أوكرانيا، وبحر الصين، مشكلتا الشرق الأوسط اللتان تتصدران برنامج العالم، ونقصد أولاً الملف النووي الإيراني، ثم ملف الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، وبالنظر إلى أن الدول العظمى التي تشكل «حكومة العالم»، ممثلة بما سميت الدول الخمس + واحد، أي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة لألمانيا، قد انخرطت فعلا منذ وصول جو بايدن مطلع العام الحالي للبيت الأبيض في مباحثات العودة للعمل بالاتفاق المبرم بينها وبين إيران العام 2015، فإن المنطق يقول إنها لن تقضي العام 2022 في مواصلة البحث، بل إنها على الأغلب ستتوصل لاتفاق حول العودة للعمل بالاتفاق، أو إعلان الفشل في ذلك، وفي الحالتين فإن العام 2022 سيشهد نهاية ما، لذلك الملف.
أما الملف الآخر، وهو ملف الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، والذي كان العالم قد تركه للطرفين، منذ توقيع اتفاق إعلان المبادئ العام 1993، ولكن ورغم أن إسرائيل نجحت في قطع الطريق على ذلك الاتفاق الذي كان يفترض أن يتوصل إلى اتفاق نهائي بعد خمس سنوات، أي العام 1999، يضع حدا للاحتلال الإسرائيلي ويقيم دولة فلسطين المستقلة على الأرض التي ينسحب منها الإسرائيليون، إلا أن ما كانت تريده إسرائيل من استمرار التفرد بذلك الملف، قد فشل، بحيث أن رغبة العالم بالتدخل لفرض الحل الذي يحفظ أمن واستقرار المنطقة، تتزايد مع مرور الوقت ببقاء ذلك الملف دونما حل.
صحيح أن انشغال العالم بما وقع خلال العقد الماضي، ما بين عامي 2011 - 2021، بما سمي الربيع، حيث تكرس اليمين الإسرائيلي في الحكم، فيما مكنه وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض ما بين عامي 2016 - 2020، من التنصل تماما من اتفاقيات أوسلو، لكن الأمر تغير منذ عام، وهذا ما يدركه اليمين الإسرائيلي جيدا، الذي يسابق الوقت ليفرض مع وجود نفتالي بينيت المدير العام السابق ليشع، المجلس الإقليمي للاستيطان، كرئيس للحكومة، والذي يعارض إقامة دولة فلسطينية، ويعارض تفكيك المستوطنات بالطبع، ويسعى لضم القدس والضفة الغربية أو أجزاء واسعة منها لإسرائيل، وإبقاء ما تبقى كمناطق حكم ذاتي، أو ضمن صفقة حل سياسي إقليمي.
لذا فإن حكومة نفتالي بينيت ورغم أنها تمثل ائتلافا واسعا من أحزاب اليمين والوسط واليسار الإسرائيلي، أي رغم أنها ليست حكومة يمين - حريديم كما كانت سابقتها، إلا أنها أظهرت تطرفا يمينيا تجاه الحل السياسي مع الجانب الفلسطيني، لم يقل عن سابقتها، بل زادت عنها بإطلاق «حرب المستوطنين» ضد السكان الفلسطينيين، ولم تكتف فقط بالتوسع الاستيطاني، أي أنها كما لو كانت ترى حلا مفروضا عليها في الأفق، لذا فهي تسعى إلى تحسين شروطها، أو جعل ما لا تريده من إقامة دولة فلسطينية مستقلة، ومن انسحابها من الأرض الفلسطينية المحتلة، أمراً مستحيل التحقق على الأرض.
ويبدو أن التوقع الإسرائيلي محق في هذا الاحتمال، خاصة أن إدارة البيت الأبيض، ورغم أنها قد انشغلت في عامها الأول عن ملف الاحتلال الإسرائيلي بالمباحثات الهادفة لعودتها للعمل مع إيران بالاتفاق المبرم بينهما - رغما عن الرغبة الإسرائيلية - العام 2015، إلا أنها لا يزال أمامها عام آخر، لن تتأثر خلاله بالضغط الداخلي الأمريكي، وذلك لأنه أمام بايدن ثلاثة أعوام على انتخابات الولاية الثانية، التي بدأ عهده بالإعلان أصلا عن عدم رغبته في التقدم لها، نظراً لتقدمه بالسن، وكما هو معروف فإن الرؤساء الأميركيين يكونون أكثر حيوية في ولايتهم الأولى من الثانية، كذلك لأنه أمام الديمقراطيين عام آخر قبل إجراء انتخابات الكونغرس النصفية، رغم استطلاعات الرأي، كذلك الانتخابات السابقة وازدياد قوة ما يسمى يسار الحزب الديمقراطي ممثلاً بالنائب اليهودي بيرني ساندرز، وإقرار الرئيس السابق دونالد ترامب، بعدم تأييد اليهود الأمريكيين للاحتلال الإسرائيلي.
كل هذا يشير إلى أن قدرة إسرائيل على الاستمرار باحتفاظها باحتلالها لأرض دولة فلسطين لن يبقى طويلا، لذا فإن رئيس الحكومة الإسرائيلي اليميني المتطرف قد استغل حاجة البيت الأبيض في عامه الأول للتركيز على الملف الإيراني ومباحثات فيينا، من أجل إطلاق إرهاب المستوطنين لفرض حقائق الأمر الواقع في القدس والضفة الغربية، لمواجهة استحقاق انسحاب إسرائيل منها، حين تحين اللحظة الدولية المناسبة.
لذا لم يكن صدفة أن تطلق إسرائيل ضغطها السياسي على السلطة الفلسطينية، وأن تواصل حصارها لغزة، مع إطلاق حرب المستوطنين المتوازية مع مطاردات الجيش، في كل من أحياء القدس والخليل، مع مناطق نابلس وجنين، وكل الضفة الغربية، في حرب ميدانية متواصلة ومستمرة، إلى أن ينجح المستوطنون بإرهابهم وهم المسلحون بالبنادق والمحميون من قبل الجيش والشرطة، في السيطرة على مزيد من الأرض، وفي «تطهير» القدس وأحيائها من الفلسطينيين العرب، كذلك في فرض أنفسهم كطرف مقابل للطرف الفلسطيني، وذلك حين يفرض المجتمع الدولي على الجانبين الجلوس على طاولة التفاوض.
لكن نقطة ضعف استراتيجية العنف الإسرائيلية، تكمن في ظنها بأنها تهندس المعادلة وحدها، وتسقط من اعتبارها وجود طرف ميداني فلسطيني، إلى جانب الطرف الرسمي، وإذا كانت حكومة إسرائيل تريد أن تستقوي في مفاوضات قادمة بوجود طرف ميداني، هو المستوطنون، فإن السلطة الفلسطينية بحاجة إلى وجود قوة ميدانية مقابلة ومضادة للمستوطنين، تتمثل في المقاومة الشعبية.
تماما كما حدث العام 1993، حيث رفعت الانتفاضة الميدانية من السقف التفاوضي لـ «م ت ف»، لذا فإن إعلان فتح -نابلس قرارها بمواجهة الجيش والمستوطنين، للدفاع عن المدن والقرى والمخيمات بكل السبل المتاحة، وإشعال ميادين المواجهة في وجه المحتلين، بدءا من قرية برقة، يعتبر هو القرار الأهم والموقف الأمثل للإبقاء على نافذة إلحاق الهزيمة بالاحتلال الإسرائيلي وإرهاب مستوطنيه مفتوحة.
جريدة الأيام