الكوفية:برز ألبرتو جياكوميتي باعتباره النحات السريالي الأكثر ابتكارًا حيث ابتكر أشكالًا نحتية تذكرنا أحيانًا بالدمى الطينية وباعتباره وُجُودِيًّا بعد الحرب قاد الطريق في ابتكار أسلوب لخص اهتمامات الفلسفة في الإدراك والاغتراب والقلق، واستطاع توسيع معايير النحت من الناحية المفاهيمية والأسلوبية بالإضافة إلى النمذجة في الجص فقد صنع منحوتات مبنية بمواد متنوعة وهشة فعلى سبيل المثال قام بصنع عناصر معلقة من الجص أو الزجاج في هياكل دقيقة من الخشب والخيوط الرقيقة للغاية، وكانت المساحة والفراغ في جميع منحوتاته السريالية تقريبًا تلعب دورًا نشطًا من الناحيتين التركيبية والنفسية وامتازت منحوتاته الأكثر شهرة في فترة ما بعد الحرب بتصوير شخصيات فردية أو مجتمعة وكلها عبارة عن هياكل عظمية بشكل مذهل في النسب وغالبًا ما تكون مثبتة على قواعد كبيرة أو ثقيلة، وكانت تلك الأعمال كما ذكرت لشخصيات امتازت بهزالها الجسدي الواضح وهويتها المجهولة في عزلة داخل فضاء اختاره لها بعناية فائقة مما جعلها تثير أهتمام النقاد والفنانين في تلك المرحلة.
لكنه عاش حياة مليئة بالحكايات الرقيقة والمدهشة التي أثارت اهتمام المتابعين والمعجبين بهذا العبقري، فقد كان والد ألبرتو رسامًا اِنْطِبَاعِيًّا سِوِيسْرِيًّا ذائع الصيت ولم يكن عرابه سوى كونو أميت الرسام الرمزي وبفضل هذه الأجواء والتأثيرات الغنية قاده شغفه بالنحت إلى الدراسة في باريس في سن 21، حيث التحق بمعهد (Académie de la Grande Chaumière) الذي اكان يديره النحات الشهير أنطوان بورديل وهو تلميذ سابق لرودان.
كان جياكوميتي شخصية غريبة للغاية ، وبنفس الطريقة التي تمسك بها بنموذجه النحتي المفضل حتى وفاته سنة 1966 ، بقي أيضًا في نفس الاستوديو المظلم الصغير والغير مريح في باريس رقم 46 شارع (Hippolyte-Maindron) طوال حياته منذ أن انتقل إليه مع أخيه في عام 1926 ولم يغادر أبدًا وكان شقيقة دييغو ينام دائمًا هناك وإذا لم يكن ألبرتو هناك فقد كان في فندق قريب حتى زوجته أنيت التي تزوجها بعد عقود كان عليها أن تجعل من هذا المكان الخانق منزلاً. وفي عام 1957 كتب الشاعر جان جينيه عنه (استوديو ألبيرتو جياكوميتي) وكان مفتونًا بتقشف ألبرتو الغريب وتجاهله لأبسط طرق الراحة وبمجرد النظر لأعقاب السجائر على الأرض حول قدميه في الصورة التي التقطت له في مشغلة في سنواته الأخيرة تعطيك انطباع أولى عن شخصية هذا الفنان العبقري الذي كان لا يؤمن ولا يثق بالبنوك ويرفض أن يضع نقوده في أي مصرف وكانت الأموال الكبيرة التي يحصل عليها يرميها على شكل رزم ملفوفة بين أكوم أدواته في الأستوديو دون اكتراث وعندما يحتاج نقود لا يتذكر أين رماها وأغلب آلاحيان يجد الجرذان قد أكلتها وكان يحرق أعماله عندما يشعر بالإحباط وهناك فيلم جميل جدا عنه قبل وفاته يظهر شخصيته الفريدة (FINAL PORTRAIT) انتاج مشترك بريطاني أمريكي كتبه واخرجة ستانلي توتشي وبطولة الممثل الأسترالي جيفري راش الذي يجسد فيه شخصية ألبرتو.
"إيلاف"