- مدفعية الاحتلال تقصف محيط دوار أبو شريعة في حي الصبرة جنوب مدينة غزة
- طيران الاحتلال يشن غارتين على منطقة قاع القرين جنوب شرقي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة
نكأت وفاة وزير الدفاع الأمريكي الأسبق "دونالد رامسفيلد" الجراح الدفينة والماثلة في المأساة العراقية المعاصرة. كان هو الرجل الذي قاد الحرب على ذلك البلد العربي الجوهري، التي أفضت تداعياتها إلى تراجع الموازين السياسية والاستراتيجية للعالم العربي بصورة فادحة ومأساوية. غزو العراق استبقته مغامرة عسكرية أخرى في أفغانستان.
بتكوينه الفكري والسياسي، فهو من أبرز صقور "المحافظين الجدد" في إدارة "جورج دبليو بوش"، الذين أطلق عليهم في الولايات المتحدة نفسها "أمراء الظلام"، محرض على الحرب بغير حق وداعٍ لها بغير حد.
لم يكن غزو العراق عملاً تحريريًا، أو ديمقراطيًا، كما قيل وتردد بالخداع والتدليس على نطاق واسع وقتها، بل كان تدميرًا ممنهجًا لدولة عربية كادت أن تخرج من زمرة دول العالم الثالث، دمرت بنيته التحتية، استهدفت مقومات وحدته الداخلية، نهبت المتاحف وامتدت يد التخريب إلى المستشفيات والمدارس والجامعات والجسور والمباني الحكومية، الدولة كلها والذاكرة الوطنية نفسها وجرى العبث بتركيبته السكانية لإثارة فتن وأحقاد مذهبية وعرقية طلباً لتقسيمه..
الأخطر من ذلك كله تفكيك جيشه.
استهدف العراق في دوره ووجوده، وكان "صدام حسين" بؤرة الاستهداف.
ثبت بيقين أنه لم تكن هناك أسلحة دمار شامل، وأن التقارير الاستخباراتية التي تردد فحواها في مجلس العموم البريطاني والكونجرس الأمريكي كانت كاذبة واستخدمت لخداع الرأي العام. وثبت بيقين أنه لم تكن هناك أدنى صلة لنظام "صدام" بتنظيم "القاعدة"، بل إن التنظيم وجد طريقه لبلاد الرافدين بعد احتلالها.
القضية لم تكن "صدام حسين"، بقدر ما كان العراق نفسه. هذا ما كان يدركه ويلمّ بحقائقه "رامسفيلد". لا راجع نفسه ولا اعترف بخطيئته في حق مئات ألوف الضحايا. ولا تعرض للمساءلة كمجرم حرب.
أفلت بجرائمه مثل كل "أمراء الظلام" في إدارة "بوش"، الذين شاركوه الجرائم نفسها.
في بحور الدم سقطت الأقنعة وادعاءات الديمقراطية التي وعدوا بها. تبددت أوهام شاعت قبل الحرب أن الشعب العراقي سوف يقابل غزاته بأكاليل الغار.
يومًا بعد آخر بدأت تتكشف فظائع ما يجرى في سجون الاحتلال. كانت الصدمة مروعة بقدر ما كشفته الصور من انتهاكات صارخة تضمنت قتلاً تحت التعذيب واعتداء جنسياً في سجن "أبو غريب"، حتى أن جندياً أمريكياً صرخ: "لقد كرهت نفسي"
لعب الكاتب الصحفي الاستقصائي "سيمور هيرش" دورًا رئيسيًا في كشف الفظائع والانتهاكات، التي قوضت ادعاءات إدارة "جورج دبليو بوش" عن الديمقراطية التي يبنيها الاحتلال.
اعتداءات مماثلة جرت في معتقل "كروبر" قرب مطار بغداد الدولي لم يجر الالتفات إليها على أية وسيلة إعلامية دولية، حيث كان يعتقل الرئيس العراقي «صدام حسين» مع مئة من كبار معاونيه.
في وثيقة خطية من (14) صفحة كتبها نائبه "طه ياسين رمضان" من داخل المعتقل، نشرت نصها مطلع أكتوبر (2005) على صفحات جريدة "العربي"، تبدي قدر الانتهاكات التي جرت بحق أركان النظام السابق، دون أن يثير ذلك حفيظة أحد.
جرى ضرب الرئيس العراقي ورفاقه، وإجباره معهم على الزحف أرضاً لمسافات طويلة، أو الجلوس شبه عراة إلا من دشداشة على الرأس لساعات طويلة.
عندما نقلوا إلى المحاكمة قيدت أياديهم وعصبت العيون، وسحبوا كقطعان غنم.
هكذا بالحرف كتب نائبه "طه ياسين رمضان".
من زاوية إنسانية، فالقصة أقرب إلى تراجيديا إغريقية مضى فيها "صدام حسين" إلى النهاية التي اقتربت زحفاً على أرض متربة في معتقل أمريكي.
ومن زاوية سياسية فإنها أقرب إلى تراجيديا إغريقية أخرى مضت فيها الأمة العربية زحفاً إلى تهميش أدوارها ومصالحها وحقوقها.
بدت مشاهد إعدام الرئيس العراقي في (30) ديسمبر (2006) صادمة للرأي العام العربي بصورة تجاوزت حسابات جلاّديه، وألقت بظلالها على حسابات القوى الدولية والإقليمية ومراكز النفوذ في العراق داخلة في صراعاتها على مصائر بلد عربي مركزي أخذ يتفكك وتعصف به حمامات الدم والحروب الطائفية.
عند لحظة النهاية بدا "صدام حسين" شامخًا، أجبر خصومه على احترامه واكتسب شعبية لم تتوفر له طوال خمسة وثلاثين عاماً حكم فيها العراق.
عند لحظة نهاية أخرى، لم يلق "رامسفيلد" بعد أن مات على سريره وسط عائلته نظرة احترام لدوره أو تاريخه، بدا مداناً أدبياً على الأقل بنظر بلده نفسها.
يقال عادة.. "ويل للمهزوم". وقد تجرع العراق مرارة الهزيمة واستغرقته احتراباته الطائفية وسيناريوهات تقسيمه وتوحش جماعات العنف والإرهاب في جنباته، لكن الهزيمة شملت بالوقت نفسه العالم العربي كله.
بسقوط العراق تقوضت الجغرافيا السياسية في المشرق العربي وتغيرت حسابات وموازين القوى الإقليمية؛ فالتاريخ لا يعرف فراغ القوة.
كان احتلاله نقطة تحول مفصلية استدعت مشروعات الشرق الأوسط الجديد وسيناريوهات التقسيم.
المفارقة الكبرى في القصة كلها أن "رامسفيلد" طال عمره حتى يرى بعينيه الهزيمة الاستراتيجية التي لحقت ببلاده في أفغانستان والعراق، حتى بات من أولويات الإدارة الحالية الانسحاب منهما بأقل خسائر ممكنة.
الخليج