وكالات: يقدم المخرج الإنجليزي ”ستيفين لايتفوت“، العديد من الألغاز حول التركيب النفسي للمرء، ورغبة الإنسان في التحرر من ذاته، لخوض تجارب جديدة، كنوع من رفض العالم، في مسلسله ”behind her eyes“ المنتج عام 2021، إذ حقق عرضه على منصة نتفلكس أخيرا، حضورا واسعا بين الجمهور.
وتتمحور أحداث الحلقات حول سيدة سمراء البشرة ”لويز“ التي تعمل في عيادة نفسية، وتخوض علاقة سرية مع مديرها الأبيض في العمل، وهي أم لطفل في عمر السابعة، حيث يغيب زوجها عنها.
وتكون قصة البداية في أن تذهب لويز ”سيمونا براون“ إلى حانة لقضاء آخر ليلة قبل العمل الجديد، في الباكر، وهناك يكون الاصطدام الجسدي مع رجل أبيض وسيم، يتسبب في دلق المشروب على ملابسه، وتتشكل فرصة للتعارف بينهما، فتنتهي سهرتهما بإعجاب متبادل، وتكون الصدمة الكبرى، أن لويز هي الوافدة الجديدة لعيادة ديفيد كسكرتيرة في اليوم التالي.
فيما تتكشف المعلومات عن حياة ديفيد ”توم بيتمان“ تباعا، فيكون متزوجا من أديل ”هيفين هيوسون“ ويعيش معها حياة معقدة، فعلاقتهما المليئة بالتناقضات والملل والسرية والغموض، تصبح بعد وقت من العرض، منطقة تشويق وغموض، على المشاهد الانغماس في الكشف عنها.
والمثير أن تكون طريقة تعارف لويز مع ديفيد هي نفسها مع أديل، حيث تصادم معها في مكان عام، وتنشأ بينهما علاقة جذابة، على الرغم من الاختلاف الكامل بينهما في اللون والعرق كما أراد أن يوضح المخرج، وفي المكانة الاجتماعية أيضا.
فوضى
إن ما يجمع الشخصيات الثلاث، هو الفوضى في معرفة الذات والحياة، والانفكاك عن الجدوى من العيش، فكل منهم يسعى إلى ما يملأ عليه الفراغ النفسي الذي يعيشه.
وشيء آخر في غاية الأهمية جَمَع الثلاثي، وهو الأحلام السريالية المخيفة التي يرونها، وتكون عنصرا غريبا من عناصر دراما المسلسل، يجب الكشف عنه.
المسلسل المكون من ست حلقات، يحمل عدة تصنيفات في طرحه، بدمجه بين الدراما والخيال العلمي والغموض، وبما يحمله في طياته من عنف نفسي وجَلد للذات، وقد أخِذت أحداثه من رواية الكاتبة سارة بينبورو، التي حملت الاسم ذاته.
كرونولوجي
أما خُطا المسلسل فتبدو في الحلقات الثلاث الأولى بطيئة بحيث تستدعي الملل والاستغراب من أمر غامض يُحاك خلف كاميرات التصوير.
فالمسلسل من ذلك النوع الذي يحمي السر الخفي، ويبدأ فريق العمل في حشد الدوائر الغامضة حول المركز، وكلما كانت متعددة زاد التشويق، للحظة ما ينكشف فيها جوهر الدراما.
لكن المخرج يكشف عن حيلة كبيرة كان يُعد لها، من خلال التسريع في الأحداث في الحلقات الأخيرة، والكشف عن الكثير من القضايا التي تعمّد تسطيحها في بداية العرض.
كما ويتعدد في العرض العنصر الزمني، إذ يلجأ المخرج إلى لحظات من الماضي في حياة شخصية ديفيد، لربما لترسيخها كشخصية محورية في المسلسل، وكذلك إرفاق أسباب مقنعة لما تمر به من تيه نفسي، في علاقتين مع سيدتين في أقصى طريقة للتباين بينهما.
بناء الشخصيات
تبدو ”لويز“ الساذجة السطحية، البيضاء من الداخل، ملهوفة، تجري خلف عينيها، دون أن تحكّم عقلها، لتنغمس في علاقة مجهولة المصير مع طبيب ثري متزوج، غير آبهة لمصير ابنها الصغير، ولا لمصير عائلة الرجل الثري.
كما تُثقل الأحلام المخيفة حياتها؛ إذ يتم تصوير مشاهد يد أمها الميتة، وصراخ ابنها آدم، وكذلك جدران شاهقة، شديدة الارتفاع، للتعبير عن حالتها النفسية الداخلية.
أما ”أديل“ فهي المرأة المرسومة الملامح، كأنها سيدة آتية من العصر الفيكتوري الكلاسيكي، ترتدي الملابس الرسمية البيضاء اللون، بوجه جميل ومشرق، لكنها تعاني الفتور من حياة مكررة، فيها شيء ملتبس مع ديفيد.
أسئلة
وتتولد أثناء العرض خاصة في شقه الأول، العديد من الأسئلة، حول أحداث حيوية تمر بها الشخصيات، فالأحلام السريالية المرعبة التي تجمع الشخصيات الثلاث، كان لا بد من سر يَحمل عمقا ما في دوران الشخصيات المستمر، ليتضح من بعدها أن الخيال العلمي سيكون شريكا في دراما المسلسل، إذ تدخل في الحلقة الخامسة قضية الإسقاط النجمي، وأثره على شخصية الإنسان. فالروح والجسد في هذا المدار نصفان يمكن فصلهما عن بعضهما، بل ويمكن للروح أن تجلس في جسد آخر.
كما يميل المخرج إلى إعطاء الشخصيات الراحة النفسية المطلوبة، من خلال إقحام الخرافة، والقوة الخارقة، كنوع من تحليل المشكلة، بتناول الفكرة الروحانية العظيمة، ووضعها كحجر أساس في تحريك الشخصيات، وإكسابها الدوافع.
فيما يَحمل المسلسل عرضا لشكل من أشكال التفرقة الطبقية، ربما بشكل تلميحي، حيث ”أديل“ تمارس حياة الأروستقراطية، زيّا وشكلا وطباعا ولونا، فيما تبدو ”لويز“ -على العكس- من الطبقة الكادحة التي تعمل ثلاثة أيام في الأسبوع، لتعيش في مدينة لندن الأغلى في أوروبا معيشة.