- قصف مدفعي على مناطق شمال غرب قطاع غزة محيط منطقة الصفطاوي
- مصابون بقصف طائرات الاحتلال منزلًا لعائلة الجرو بحي الشجاعية شرقي مدينة غزة
في الشهور الأخيرة من عام 1996، قبل عقد الانتخابات النيابية عام 1997 التي جاءت بالسيد توني بلير والعماليين إلى الحكم في بريطانيا بعد غيبة طويلة، سربت وسائل الإعلام البريطانية خبراً عن لقاءات سرية تعقد آنذاك، جمعت بين مسؤولين حكوميين بريطانيين وشخصيات متنفذة في الجيش الجمهوري الآيرلندي (آي آر إيه). كان السيد جون ميجر، وقتذاك، رئيساً للحكومة، وكانت بريطانيا خلال فترة حكم السيدة ثاتشر قد تبنت سياسة متشددة مع الجيش الجمهوري، رافعة شعار: لا حوار مع الإرهاب، مغلقة الطريق بذلك أمام أي محاولة للتفاوض مع الجيش الجمهوري الآيرلندي، على اعتبار أنه منظمة إرهابية. وكما هو متوقع، أثار الخبر زوبعة سياسية وإعلامية كبيرة، خاصة أن الناطق الرسمي باسم الحكومة، لدى سؤاله، رفض نفيه أو تكذيبه. وانقسمت بريطانيا شطرين؛ شطر يدين الحوار، وهم الأغلبية؛ وشطر أقلية يؤيد الحوار. وأذكر أن صحيفة «الغارديان» أدلت بدلوها في المسألة، عبر نشر افتتاحية طويلة، أيدت فيها رئيس الحكومة السيد ميجر، وأثنت على خطوته، وأشادت بإحساسه بالواجب القومي، ووصفته بالسياسي المسؤول، وطالبت الآخرين بدعمه والاقتداء به. وعقب الانتخابات، ووصول الحكومة العمالية برئاسة السيد بلير، تسلمت الحكومة الجديدة مقاليد الأمور، وواصلت عبر قنوات معقدة سرية التفاوض مع الجمهوريين، وتمكنت من إقناع المتشددين من الأحزاب الاتحادية في آيرلندا الشمالية بقبول التفاوض مع حزب شين فين. وفي عام 1998، وقّعت الأطراف المتصارعة في آيرلندا الشمالية اتفاق السلام المسمى اتفاق الجمعة المجيدة، الذي بموجبه وافق الجيش الجمهوري الآيرلندي على تسليم أسلحته ونبذ الإرهاب، لقاء مشاركته في السلطة عبر جناحه السياسي حزب شين فين، وما زال الاتفاق ساري المفعول إلى يومنا هذا.
تذكرتُ ذلك الحدث هذه الأيام وأنا أتابع في وسائل الإعلام الليبية تقريراً حول زيارة المستشار عقيلة صالح رئيس البرلمان الليبي، ووفد برلماني مرافق، مؤخراً إلى موسكو، بدعوة من البرلمان الروسي، ولقاء جمعه مع وزير الخارجية الروسي السيد سيرغي لافروف. ولفت انتباهي في التقرير التصريح الذي أدلى به السيد لافروف خلال ذلك اللقاء، حين انعطف في حديثه إلى لقاء غير معلن تم في شهر أغسطس (آب) الماضي، بين السيد عقيلة صالح ورئيس المجلس الرئاسي السيد فائز السراج. السيد لافروف حدد الزمان ولم يحدد المكان، لكني استنتجت من تصريحه احتمال حدوث اللقاء في موسكو. ما يثير الاهتمام هو أن قلة قليلة من الإعلاميين الليبيين لا يتجاوزن أصابع يد واحدة أو أقل انتبهوا، أو بالأحرى أبدوا اهتماماً واستغراباً مما كشفه السيد لافروف، وأشاروا إليه على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
اللقاء المذكور كان سرياً، أي بعد فترة زمنية تعد نسبياً قصيرة من توقف الحرب في طرابلس. ولا أعرف لماذا قرر السيد لافروف كشف السر في هذا الوقت تحديداً، لكن ما يهم هو أن السيدين فائز السراج وعقيلة صالح برهنا، في وجهة نظري، على سلوك سياسي يستحق الإعجاب، ينم عن إحساس بالواجب والمسؤولية، بتجاوزهما كل العقبات التي جعلت التفاوض بين الطرفين شبه مستحيل في ذلك الوقت وتلك الظروف، ويشي برغبة وطنية لديهما معاً في الوصول إلى اتفاق يساهم في إبعاد شبح حرب مدمرة، وتقريب السلام والاستقرار.
الطريق إلى أي سلام مستقبلي محتمل في ليبيا لن يكون إلا عبر قنوات وأروقة التفاوض بين جميع الأطراف المتنازعة، ومن دون إقصاء لأي طرف، تحت أي حجة أو ذريعة، خاصة بعد أن أكدت التجارب خلال السنوات الماضية أن حسم أي طرف للصراع عسكرياً أمر في حكم المستحيل، بسبب توازن القوى في جبهات الحرب، وأن الاستمرار في دق طبول الحرب بهستيريا، تحت أي شعارات أو تسميات أو مزاعم، لا يختلف عن ممارسة عبث لا طائل من ورائه سوى الخسران، وإضاعة الوقت، ومواصلة استنزاف البلاد والعباد. وبالتالي، فإنه لا معنى إطلاقاً لتلك التحشيدات العسكرية الجارية حالياً في المنطقة الوسطى من قبل الطرفين، لما تثيره في النفوس من خوف وإحباط، وما تخلقه من ارتباك في بلاد لم تذق طعم استقرار منذ أعوام، خاصة أن البعثة الأممية، ممثلة في السيدة ستيفاني ويليامز نائبة رئيس البعثة، قد بدأت مؤخراً فعلياً، وبعزم حديدي لم يحظَ به أي من المبعوثين السابقين، في وضع قطار السلام على سكة جديدة مصممة بعناية وحرص. وقد انطلق بنجاح من أولى محطاته في «قمّرت» بتونس خلال الأيام الماضية، قاصداً - بتوفيق من الله - محطة أخيرة نتمنى على الله أن يصلها سالماً غانماً.
"الشرق الأوسط"