- طائرات الاحتلال تشن غارة عنيفة على وسط مدينة جباليا البلد شمال قطاع غزة
القاهرة - محمد جودة: يصادف اليوم الأحد الـ 31 من مايو/أيار، الذكرى الـ 19 لوفاة القائد الفلسطيني فيصل الحسيني، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، وعضو اللجنة التنفيذية ومسؤول ملف القدس في منظمة.
كان الحسيني مدرسة نضالية كاملة تعطي ولا تأخذ، مدرسة تتخرج منها أجيال الثورة الواحد تلو الآخر، متراسا عملاقا يملك شجاعة نادرة وقوة فولاذية لا ترتعد أمام بطش الاحتلال، لا يأبه لسياسة القمع والبطش.
كان بركانا وإعصارا يحسب له الاحتلال ألف حساب، يجوب أطراف الدنيا من أجل القضية الفلسطينية، ولا يترك فرصة أو مناسبة إلا ويشارك فيها كانت فرحا أم ترحا، وهب نفسه لفلسطين وتواضع الى درجة تثير الإعجاب.
من حركة فتح إلى جيش التحرير
انضم إلى صفوف "حركة التحرر الوطني الفلسطيني - فتح" عام 1964، ثم انضم إلى قوات جيش التحرير الفلسطيني المرابط في سوريا، وذلك في أوائل العام 1967، قبيل ذلك عمل في قسم التوجيه الشعبي في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في القدس حتى عام 1966.
قرر فيصل الحسيني العودة إلى القدس، في أعقاب وقوع القدس والضفة العربية تحت سطوة الاحتلال الإسرائيلي، حيث قام بقيادة العمل السياسي في القدس، واعتقل لأول مرة عام 1967، إلا أن هذا لم يثنه عن مواصلة نضاله في سبيل وطنه وشعبه.
قام عام 1979 بتأسيس "جمعية الدراسات العربية" في "بيت الشرق" في القدس المحتلة، وهو المقر غير الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس.
وحظي "الحسيني" بشعبية عالية في القدس وجميع الأراضي الفلسطينية.
الدفاع عن مصر الشقيقة أمام العدوان الثلاثي
عندما وقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، تقدم بطلب الانضمام إلى القوات المسلحة المصرية، وانضم لحركة القوميين العرب عام 1957، وشارك في إنشاء وتأسيس المنظمة الطلابية الفلسطينية عام 1959، والتي أصبحت فيما بعد رافدا لمنظمة التحرير الفلسطينية.
انخرط في التدريب العسكري في مصر وحاول الالتحاق بمدرسة الطيران المصرية، إلا أن الحظ لم يحالفه، فانتقل إلى سوريا ودرس الهندسة في الأكاديمية العسكرية بحلب وحصل على شهادة العلوم العسكرية سنة 1966.
قاد الانتفاضة الأولى إلى جانب الشهيد خليل الوزير
وصف الاحتلال الإسرائيلي القائد فيصل الحسيني بـ "الإرهابي الكبير" و"الإرهابي ابن الإرهابي"، وتعرض للسجن مرارا وللإقامة الجبرية، وكان دوره بارزا في قيادة الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت عام 1987، فسجن لمدة عامين بتهمة قيادة الانتفاضة.
أجرى مفاوضات مبكرة مع بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية لوضع أسس للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وخرجت من مكتبه ولأول مرة وثيقة "استقلال فلسطين" عام 1988، وترأس الوفد الفلسطيني الذي اجتمع مع وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر عام 1991 وكان لهذا الاجتماع دور في التمهيد لانطلاق محادثات السلام في مدريد في أكتوبر/تشرين أول عام 1991، حيث قام بتشكيل وفد من الضفة الغربية وقطاع غزة للذهاب إلى مدريد وعين الدكتور حيدر عبد الشافي رئيسا للوفد المفاوض.
نجل الشهيد القائد عبد القادر الحسين
ينتمي فيصل الحسيني إلى واحدة من أشهر وأعرق العائلات الفلسطينية، التي ضربت أروع الأمثلة في النضال الوطني والدفاع عن القدس، فجده موسى كاظم الحسيني الذي كان رئيسا لبلدية القدس إبان الانتداب البريطاني، الذي حظرت عليه سلطات الانتداب الاقتراب من السياسة فاستقال من منصبه، لمواصلة كفاحه ونضاله ضد الانتداب البريطاني نفسه.
ولد فيصل الحسيني في الوقت الذي كان فيه والده، المجاهد الكبير عبد القادر الحسيني، رهن الاعتقال لدى سلطة الانتداب البريطاني في العراق، وانتقل بعد الإفراج عنه إلى السعودية التي فتحت الباب أمامه كلاجئ سياسي.
تعلم القراءة والكتابة على يد والده، وكان رفيق درب لوالده في جميع تحركاته ورحلاته، فانتقل معه إلى القاهرة، حيث ساهم والده في تعزيز وعيه السياسي، وشجعه على الخطابة أمام الجمهور وحفظ القصائد الوطنية.
تعرض فيصل الحسيني لعدة محاولات اغتيال على أيدي عصابات المستوطنين الإسرائيليين، ففي عام 1995 قام قطيع من المستوطنين بإطلاق النار على منزله، كما حاولت سيارة إسرائيلية الاصطدام بسيارته، لكنه نجا من الاغتيال.
تصدى فيصل الحسيني لقرار الحكومة الإسرائيلية برئاسة "بنيامين نتنياهو" القاضي بإقامة مستوطنة على جبل أبو غنيم في القدس، وقاد العديد من المظاهرات والمسيرات إلى الموقع وتعرض للضرب ومن معه على أيدي قوات الاحتلال.
فقدانه خسارة وطنية وقومية وإنسانية
قيل فيه الكثير والكثير من قبل شخصيات عربية ودولية وإسرائيلية، والكل أجمع أن فقدانه خسارة وطنية وقومية وإنسانية، فقد مثّل فيصل الحسيني بوصلة للقدس وحظي بثقة الجميع قادة وفصائل وأفرادا وجمعيات، وحصل على الإجماع الوطني بتقدير ممتاز.
أوكلت لفيصل الحسيني رئاسة الفريق الفلسطيني المفاوض في مؤتمر السلام بمدريد عام 1993، وقاد المحادثات مع وزير الخارجية الأمريكي حينها جيمس بيكر، وبقي يترأس المفاوضات حتى عام 1993.
وبعد أوسلو، ركز فيصل الحسيني عمله بالقدس ولأجلها، خاصة أنه كان يعرف أن الاتفاق اعتبر ملف القدس قضية مؤجلة، فكان يخشى أن تقوم إسرائيل بأي إجراءات من طرف واحد.
واضطلع الحسيني بدور كبير في معركة الدفاع عن القدس، وكان حريصا على إقامة مؤسسات فلسطينية بالمدينة لدعم أهلها، والحفاظ على هويتها العربية، فأنشأ جمعية الدراسات العربية ومقرها القدس، لإعداد الأبحاث التربوية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والسياسية والثقافية من خلال مراكز متخصصة.
أقلق نشاط الحسيني سلطات الاحتلال، فأغلقت مقر الجمعية والمؤسسات التابعة له يوم 28 تموز 1988 متعللة بذرائع أمنية، وتكررت أوامر الإغلاق أكثر من مرة على مدى سنوات الانتفاضة الأولى التي كان الحسيني أحد قادتها، واعتقل عامين لهذا السبب.
وبعد مرور نحو أربع سنوات، سمحت إسرائيل بإعادة فتح بيت الشرق في يوليو/تموز 1992، واستأجر الحسيني البيت بكامله بعد أن أصبح مسؤول ملف القدس باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
سرعان ما أصبح بيت الشرق مقصدا للضيوف الأجانب الذين يزورون القدس، فاختير مقرا لوفود مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية للاجتماع بالمبعوث الخاص للأمم المتحدة جيمس جونا.
وأصبح مكتب فيصل الحسيني في بيت الشرق رمزا فلسطينيا، وفيه أعدت التحضيرات لمؤتمر مدريد، فأصبح بيت الشرق المقر شبه الرسمي لمنظمة التحرير.
واجه المشاريع الاستيطانية بكل ما أوتي من قوة، وكان يعلم أن المستوطنة المقامة على أراضي جبل أبو غنيم ستقضي على احتمالات السلام، وانضم إلى الأهالي بخيمة اعتصامهم داخل أراضيهم.
خلال إحدى المظاهرات التي خرجت ضد بناء المستوطنة وجه رسالة للإسرائيليين وقال "إما أن تصنعوا سلاما معنا الآن أو تبحثوا بعد 25 عاما عن نيلسون منديلا فلسطيني، ولن تجدوه.
نبذة عن حياة القائد الوطني فيصل الحسيني
ولد فيصل عبد القادر الحسيني، مسؤول ملف القدس وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1940 في العاصمة العراقية بغداد، وعاش متنقلا بين بغداد والقاهرة وبيروت وعمان ودمشق قبل أن يستقر في القدس، والتي كرس حياته لها.
والد فيصل الحسيني، عبد القادر الحسيني، هو مؤسس جيش الجهاد المقدس، وقد استشهد في معركة القسطل، في عام النكبة.
سجن الحسيني في أقبية الاحتلال، عدة مرّات، بسبب نشاطه النضالي ضد الاحتلال، وخاصة خلال الانتفاضة الأولى التي سُجن فيها لمدة عامين.
في عام 1979 أسس فيصل الحسيني جمعية الدراسات العربية "بيت الشرق" في مدينة القدس.
أنهى فيصل تعليمه الابتدائي ودراسته الثانوية في القاهرة، حيث التقى فيها ياسر عرفات.
أصبح فيصل الحسيني عام 1993، رئيسا للوفد في محادثات واشنطن خلفا للدكتور حيدر عبد الشافي، وفي أعقاب اتفاقات أوسلو رفضت إسرائيل إن يمثل فيصل الحسيني القيادة الفلسطينية كونه من القدس.
عندما تم تعيين فيصل الحسيني مسؤولا عن ملف القدس في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ساهم في اجتماعات مجلس وزراء السلطة الفلسطينية.
وشهد له بنشاطاته في كافة أنحاء الضفة الغربية والقدس، حيث لعب دورا مهما في مواجهة العديد من الأزمات التي شهدتها الساحة الفلسطينية، وقدم دعما متعدد الأشكال للقضية الفلسطينية.
كان عضوا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ورئيس الوفد الفلسطيني المفاوض، ومسؤول ملف القدس، ورئيس بيت الشرق وجمعية الدراسات العربية.
اعتقل الحسيني عدة مرات وخضع للإقامة الجبرية وتولى قيادة حركة فتح في الضفة، عرف عنه تواضعه ودماثة أخلاقه وغيرته الحقيقية على الوطن، خاصة على القدس، فهو ابن القائد الشهيد عبد القادر الحسيني.
الوداع الأخير وتحرير القدس
توفي فيصل الحسيني بأزمة قلبية عام 2000 أثناء زيارته للكويت في مسعى لوضع حد للخلاف الذي نشب عام 1990 بين الكويت ومنظمة التحرير الفلسطينية وشيع الراحل في موكب جماهيري عزّ نظيره، ودفن في باحة الحرم القدسي الشريف بجوار أبيه وجده.
تم تشييعه يوم الجمعة وأقيم العزاء لمدة ثلاثة أيام في بيت الشرق بالقدس الشريف، في جنازة أسطورية، لم تكن الجنازة تمشي بل كان النعش ينتقل من أيد إلى أخرى حتى وصل إلى مثواه الأخير في ساحة الأقصى المبارك ليرتاح جثمانه بعد هذه رحلة طويلة في مقارعة الاحتلال.
ارتدت القدس السواد، تماما كما فعلت عندما سقط والده الشهيد القائد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل عام النكبة.
رغم القيود ورغم أنف الاحتلال الذي لم يستطع الوقوف أمام هذا المد الجماهيري الهادر فـ"آثر الانسحاب تاركا القدس لأصحابها الشرعيين للقيام بمراسم الدفن التاريخية، تماما كما قامت بتشييع والده الشهيد عبد القادر وقبله جده موسى الحسيني".