- طيران الاحتلال يشن غارة على مخيم البريج وسط قطاع غزة.
السابع من أكتوبر 2023، كان بداية المفاجآت الكبرى والمتوالدة.
حماس... فوجئت بما أنجزت، ولو كانت تعرف أن قواتها ستجد أمامها أرضاً فراغ، لضاعفت عديدها وزادت مركبات الدفع الرباعي، وضاعفت أعداد الدراجات النارية، بحيث تتمكن من خوض حرب شوارع في تل أبيب، التي تبعد سفر ساعة عن غلاف غزة وأقل من ذلك عن الخليل والقدس.
إسرائيل... فوجئت بحجم وكثافة الاختراق، كانت نائمة باطمئنان، معتمدة على جيش "عبقري" يحمي الثغور ويدرأ الخطر من أي جهة يأتي، أمّا الجنرالات وفوقهم المستوى السياسي، فقد كانوا مرهقين من سهرة "كيبور" الراقصة حتى الصباح، نائمين في أسرتهم ليستيقظوا متثائبين كالعادة، وليذهبوا إلى مواقعهم الحصينة على الأغلفة والحدود، كما لو أنهم يؤدون عملا روتينياً رتيباً.
سمعوا كغيرهم بأخبار ما حدث من أجهزة الراديو، وبعد أن استعادوا لياقتهم، استنفروا كل ما لديهم من قوة، ليخوضوا حرباً عصبيةً انتقاميةً تتجاوز في شراستها كل ما سبقها من حروب.
هذه الحرب أنتجت مفاجأة مزدوجة، احداها طول أمدها أمّا ثانيها فهي ما واجهته القوة الإسرائيلية العاتية من مقاومة وما تكبدته من خسائر.
أمريكا... أم الحروب الإسرائيلية وأباها، والتي تمتلك عيوناً وآذاناً بشرية وإلكترونية، ترصد حتى حركة النملة في أي مكان على سطح المعمورة، فوجئت بما حل بإسرائيل، ودون إهدار وقتٍ في البحث والتمحيص والتحليل، بادرت على الفور إلى إرسال نجداتها، حتى ضاق البر بالمبعوثين، وامتلأ البحر بالسفن، والمصطلح محورٌ عن بيت شعرٍ لعمرو بن كلثوم.
حين تتفاجأ إسرائيل وأمريكا فذلك يعني أن العالم كله يتفاجأ، ولأن إسرائيل هي المدللة الطوعية والقسرية لكل العالم، باستثناء عالمنا بالطبع، فقد أحدثت حربها ردود فعل شملت الكون كله على النحو الذي تحولت فيه حرب أوكرانيا إلى المرتبة الثانية.
وتتوالى المفاجآت وليس آخرها اتساع الحرب إلى عدة جبهات بلوغها درجة عاليةً من التأثير على سياسات ومعادلات العالم كله، بما في ذلك الانتخابات الأمريكية.
دعونا نصف ذلك بمفاجآت الحرب، إلا أن مفاجأة سوف تكون أكبر المفاجآت وأشدها غرابة، هي مفاجأة اليوم التالي.
عند كتابة هذه المقالة تكون الحرب هدأت على واحدة أو أكثر من جبهاتها، لتتواصل بذات الوتيرة، على غزة وحسب طبيعة الأشياء لابد أن تتوقف يوماً، وساعتئذٍ ندخل على الفور إلى اليوم التالي.
كان هذا اليوم ومنذ بداية الحرب، وبفعل الإلحاح الأمريكي، هو أشهر يوم جرى تداوله، إلا أنه لم يجد جواباً عن كيف سيكون ومن هي القوى اللاعبة فيه، كان الحديث عنه قد اتخذ سمة التقديرات والاستنتاجات على طريقة العرافين والعرافات، ولأن الحرب ملأت الدنيا وشغلت الناس، فقد اكتظت وسائل الاعلام بالتقديرات والتوقعات وانتشرت مقولات أنتجتها القرائح والأهواء والرغبات، منها مثلاً حتمية انهيار إسرائيل من داخلها، تحت ضغط الجبهات السبع، وتغيير الخرائط والكيانات والمصائر وتهجير أهل غزة إلى سيناء، وأهل الضفة إلى الأردن ودخول إيران بكل ثقلها في الحرب، ما يقلب الموازين بفعل قدرتها وقدرة أذرعتها على تدمير إسرائيل ومنشآتها الاستراتيجية بضغطة زر، وأشياء كثيرة من هذا النوع جعلتنا نتصور اليوم التالي للحرب على أنه بداية عالم آخر ومنطقة أخرى غير التي نعرفها.
كبرى مفاجآت اليوم التالي، هي اللامفاجآت، فالمنطقة ستعود إلى ما كانت عليه. إسرائيل ستنسحب من جغرافية الجبهة الشمالية، لتتموضع أينما كانت قبل الحرب، أمّا غزة فرغم كل ما حل بها ستعود من جديد إلى حصار محكمٍ وسيطرةٍ بالنار، محتفظةً بجغرافيتها وديموغرافيتها مثلما كانت من الأزل وإلى الأزل.
أخيراً ولا مفاجأة في ذلك فإن بيت القصيد في كل ما فعلت إسرائيل هو القضية الفلسطينية، كانت مأزقها الدائم والعميق في كل وقتٍ وكل حرب، وستبقى.
الثابت هو الصراع المستمر والمتحرك هي وسائله ووتائره وهذا ليس بالأمر الجديد.