عشية 7 أكتوبر 2023، كانت دولة الكيان تشهد حالة لم تعرفها منذ قيامها اغتصابا على أرض فلسطين، من تمرد شعبي احتل الشوارع والطرقات فيما أسموه إعلاميا بثورة الغضب على الإجراءات القضائية، التي أرادتها حكومة نتنياهو لتكريس بعدا ديكتاتوريا في النظام السياسي.
خلال ما يقارب العشرة أشهر، كان المشهد العام يتجه إلى لحظة صدام لا بد منها في ظل "صراع مشتعل" بين غالبية شعبية رافضة لإجراءات تغيير النظام، شارك بها وللمرة الأولى مجموعات يهودية في الخارج، وخاصة يهود أمريكا ووسائل إعلامهم، المجندة تاريخيا لخدمة أهداف الحركة الصهيونية وكيانها القائم، لكنها أدركت أن السواد القضائي الذي يتجهون له، يفتح باب التدمير الذاتي، فكانت الصرخة المباشرة للرئيس الأمريكي بايدن، بأن "ينقذ إسرائيل من الديكتاتور.."
وفجأة، جاء الحدث الذي انحرف بمسار التطورات الجارفة من حرب دقت جدر دولة الكيان إلى حرب عدوانية شاملة ضد فلسطين، مستغلة حدثا أظهرت معلومات بأن أجهزة أمنهم كانت على علم بتفاصيل ما سيكون، دون اتخاذ خطوة لمواجهته أو لمنعه، وسط كوم من الأسئلة التي لن يطول معرفة جوابها، لكن الحدث الأكتوبري غير مسار المشهد من "حرب أهلية بين يهود ويهود" إلى "حرب عدوانية" على فلسطين ومحيطها.
وسريعا كشفت أمريكا شراكتها في العدوانية، التي بدأت تتسع حدودها من قطاع غزة نحو الخليج وباب المندب، ضمن رؤية استعمارية جديدة، لم يعد حل لغزها معقدا كما كان بداية الانطلاقة السريعة نحو فرض واقع جديد، باستخدام آلة الدمار الشامل.
بعد 300 يوم من الحرب العدوانية الشاملة في المنطقة ومركزها فلسطين ورأس حربها قطاع غزة، يمكن ملاحظة أنها قد أدت إلى تعطيل مسار الحرب الأهلية، وأجلت الصدام "الدموي" الذي أطل من خلال توزيع سلاح على مناصري الأطراف "المتصارعة" بعد جمعة الصلاة في شوارع تل أبيب أول أكتوبر 2023.
خلال مسار الـ 300 يوم العدوانية، حققت أمريكا كثيرا من "أهدافها"، التي أرادتها في مواجهة "تمرد رسمي عربي"، لتعود تمسك بزمام الحراك العام، فباتت مركز الحراك السياسي في المنطقة، مع غطاء عسكري مباشر يتحرك وفقا لأهداف ضمن الرؤية الجديدة.
بمرور سريع على الـ 300 يوم على الحرب العدوانية، فدولة الفاشية اليهودية حققت ما تجاوز "أهدافها الخارجية" كثيرا، بعيدا عن "غوغاء إعلامية" تبحث متاجرة رخيصة بالحق الوطني الفلسطيني، وبين أبرز تلك الأهداف:
تدمير قطاع غزة بنسبة شبه كاملة ما يضعه في الفترة القادمة خارج أي معادلة كفاحية ضد المشروع المعادي.
إعادة احتلال غزة وتقسيمه انتقاليا، لكسر وحدته الجغرافية الداخلية، والسيطرة المطلقة على معابره، بما يشكل ضغطا خاصا لفرض واقع جديد.
تحديد أولويات سكان قطاع غزة نحو "الإعمار – الإغاثة – العمل"، ثالوث يحتاج إلى قوة مالية خارقة لا وجود لها محليا، ما يفرض مسارا جديدا.
مسار ثالوث "إعمار – إغاثة – عمل" يفتح الباب واسعا أمام وصاية خارجية تكرس عملية الفصل الوطني الجغرافي وتأجيل إعلان دولة فلسطين.
فتح باب الهجرة "الطوعية" أمام أهل قطاع غزة في ظروف الخراب العام كبديل محتمل.
سارعت دولة العدو في تحقيق تقدم كبير نحو مشروعها الاحلالي في التهويد والضم في الضفة والقدس.
تعزيز الوجود الاستيطاني بما تجاوز كل التقديرات المحتملة ما قبل 2023.
تعزيز عملية "فصل الوعي الوطني" نتاج عدم تناسق رد الفعل الكفاحي بن جناحي بقايا الوطن.
تمكين "البعد الانعزالي" للوعي السياسي لأهل قطاع والمحيط العروبي لغياب الفعل التأثيري على مواجهة الحرب العدوانية.
تعزيز حضور دولة العدو تطبيعا مع دول عربية، مع فتح باب مجالات شاملة.
إرباك الرسمية الفلسطينية في مسارها السياسي، رغم الانعطافة الدولية الكبيرة، خاصة حركة الاحتجاجات الشعبية وتعزيز مكانة فلسطين في الأمم المتحدة ورفع عدد الدول المعترفة بها.
رغم تلك "الأهداف الاستراتيجية" التي حققتها دولة العدو الاحلالي، فأنها لم تتمكن من إنهاء "خطر كامن" لا يعرف ملامحه بعد، خطر اندلاع "حرب أهلية" جراء صعود "الفاشية اليهودية" بشكل متسارع، وتعزيز "العنصرية الذاتية" من "يهود ليهود" تتجاوز ما كان في زمن سابق بين "شرقي وغربي".
بعد 300 يوم من الحرب العدوانية، وما حققته حكومة الفاشية اليهودية ورئيسها نتنياهو من "إنجازات خارجية"، لكنها تواجه بداخلها "حربا معاكسة عدوانية بين يهود ويهود"، لم يقف في طريقها "المتاجرة" بمكاسب حرب غزة.
بعد 300 يوم من الحرب العدوانية، خسرت فلسطين كثيرا ولكنها تملك ما يمكنها محاصرة ما كان، لو تجردت الرسمية الفلسطينية من "خوف سياسي" مسكون بها.. بالخروج عن النص التقليدي لترى أن عدوها القومي مصاب بجرثومة سرطانية قاتلة..
بعد 300 يوم من حرب عدوانية، يمكن محاصرة من يحاصر بأسلحة الانتفاض الشعبي العام، بعيدا عن "أكذوبة" التهديد بخراب يوازي ما كان خرابا في قطاع غزة.. فتلك حكاية يراد بها "تخدير" الغضب الوطني لتمرير مشروع التهويدية العام.