- آليات الاحتلال تطلق نيرانها بشكل عشوائي باتجاه خيام النازحين جنوب مواصي رفح
- صافرات الإنذار تدوي في المطلة ومحيطها في إصبع الجليل
انطلقت قاطرة مفاوضات "صفقة التبادل" مجددا في المحطة القطرية، بعدما نجح نتنياهو في تعطيل مخرجات المحطة الفرنسية، وما تلاها قرارا لمجلس الأمن دعا لتطبيق "إعلان بايدن"، حاولت أمريكا ان تتهرب من قدرتها التنفيذية، فحملت حركة حماس مسؤولية التعطيل، لتمارس بعدها ضغوطا سياسية إلى جانب العسكرية عليها، كي تقع في "حفرة التنازلات"، وفقا لما تراه ضرورة، دون أن تتقدم بخطوة عملية واحدة.
محطة التفاوض القطرية الأخيرة، انطلقت من قاعدة تنازل حماس عن شرطية "الترابط المتوازي" لتنفيذ مقترح بايدن، او ما بات يعرف بقرار مجلس الأمن رقم "2735" يوم 10 يونيو 2024، دون تقديم مقابل سياسي يقابل قيمة ذلك التنازل، رغم ما يحمله من "أخطار معلومة"، بأنه يمنح دولة العدو وحكومتها الحصول على امتياز "تبادل رهائن بأسرى"، دون أي ضمان أو "تعهد" يمنع استمرار الحرب التدميرية، تنازل لم يجد له "الرضى الكافي" من قبل الولايات المتحدة، كما كان متوقعا، لقيمة ما قدمته حماس.
ويبدو، أن دولة الاحتلال وحكومتها، أدركت وفقا لحسابات معقدة، او معلومات مركبة، بأن الضغط أنتج قيمة سياسية بفك معادلة "ارتباط التفاوض مع استمرار الحرب"، فبدأت تعيد صياغة مواقفها وفقا لما وضعها نتنياهو أو ما يعرف بـ "خطوط حمراء خمسة"، وهو ما بدأ يتحقق بشكل ما، بعدما وافقت حماس على بقاء تقسيم قطاع غزة شمالا وجنوبا بمحور عسكري أمني لجيش العدو ما يعرف "محور نتساريم" من جحر الديك شرقا وبحر غزة، ليكون محطة أمنة فاحصة.
ومعه تنازل مضاف وفقا لما تسريبه، يقوم على فتح معبر رفح دون وضوح المسؤولية الأمنية مع بقاء وجود عسكري لجيش الاحتلال في بعض مناطق محور صلاح الدين "فيلادلفيا"، وحضور فلسطيني بلا ملامح محددة، إلى جانب بحث "إدارة مدنية" دون شراكة من "طرفي الصراع" حماس ودولة الاحتلال، وهي عبارة تفتح كل أبواب الشك الوطني على ملامح اليوم التالي، ما يكرس فصل قطاع غزة وانعزاله السياسي عن الضفة أو بقاياها.
وبعيدا عما كان "تنازلات" بلا مقابل محددة، فالحقيقة الأخطر التي تطرق التفكير، إن رئيس حكومة التحالف الفاشي نتنياهو، لن يكمل المسار التفاوضي إلى محطة وقف الحرب، أو حد أدنى وقف إطلاق النار، في ظل أزمة داخلية بن أركان تحالفه، خاصة حزب بن غفير المستوطن الإرهابي وحزب شاس الديني بقيادة أرييه درعي حول تمرير قانون خاص بالحريديم، واضعا شرط التمرير بعضوية "مجلس الحرب"، إلى جانب حرب الليكود الداخلية وخاصة ضد وزير الجيش غالانت، والمطالبة بطرده باعتباره "خائن".
عدم التوقف أمام تأثير تلك "الأزمة الداخلية" وسط التحالف، إلى جانب المعارضة التي تنتظر لحظة قطف رأسه ثمنا لحماية دولة الكيان وجوديا من خطره الكبير، ستكون ذات تأثير حاسم على موقف نتنياهو التفاوضي، ولا يمكن لها أن تتم دون "تسوية ما" لها.
نتنياهو يدرك جيدا جدا، أن وقف الحرب بشكل كامل سيكون الهدية السياسية الأثمن لإدارة بايدن ورئيسها المترنح جدا في الحملة الانتخابية، وكل الدلائل تحدد إنه "ذاهب مع ريح العجز الفكري والعمري" لصالح ترامب بكل ماله قوة خاصة، والذي سيرى في انجار الصفقة خدمة للمهزوم، سيحاسب عليها من قدمها.
نتنياهو، يعلم ان صفقة التبادل هي الرصاصة السريعة نحو انتخابات مبكرة، كل مؤشراتها تعلن نهايته السياسية وإلى غير رجعة، وقد يجد مصيرا ظلاميا في السجن.
لعل نتنياهو يمارس الخديعة التي تمنحه ربحا خاصا، بالتوصل إلى إعلان الاتفاق ليبدأ تنفيذ مرحلته الأولى في تبادلية غالبية الرهائن مقابل أسرى فلسطينيين، ليقدم أنه حقق "مكسبا" دون ثمن كبير، ويعود بعدها ليكمل خطوطه الحمراء، وهنا تكون حماس فقدت أهم ورقة تناور بها في مسألة الرهائن.
بالتأكيد، حماس لا تملك "أوراق قوة مضافة" لورقة الرهائن، خاصة بعدما وافقت موضوعيا على "أركان اتفاقية" منحت دولة الكيان "امتيازات أمنية – سياسية" داخل قطاع غزة دون تحديد زمني، أو قوة إجبار تعيد المشهد لما كان قبل 7 أكتوبر 2023، مضافا له تدمير شامل وفقدان أركان الحياة الإنسانية لأهل القطاع، والذين لن يقفوا أمام "أغاني النصر الوهمية".
ملامح "اتفاق إطار" صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، توافق موضوعيا مع جوهر المشروع التهويدي، ولكن دون مقابل محدد يمكن الإشارة له كمنجز سياسي استحق كل ما كان ثمنا.
هل بالإمكان حصار معادلة مسار مفاوضات الدوحة الأخيرة.. بالتأكيد ممكن لو أعلنت حماس تخليها التفاوضي الكامل وتسليم الملف إلى دولة فلسطين، خاصة وأن الحركة وافقت على عدم وجودها مستقبلا في النظام السياسي، مناورة مقابل مناورة، يمكنها عرقلة محاولة "خطف قطاع غزة" مجددا، وبالتنسيق مع "السداسي العربي".
مفاوضات الدوحة الأخيرة بمسارها الراهن، ترسل قطاع غزة إلى "مجهول سياسي"، ليس بالانفصالية الكيانية فقط، بل بجهات الحكم والسيطرة التي تتوافق وهوى دولة الكيان، وقبلها الولايات المتحدة، ما لم يتم كسرها سريعا.