- مراسلنا: قصف مدفعي يستهدف منطقة السودانية والكرامة شمال غرب مدينة غزة
قبل أيام وتحديداً في الرابع والعشرين من يونيو وصلت من المملكة المغربية شحنة مساعدات طبية تُقدر بأربعين طناً إلى مطار بن غوريون الإسرائيلي، ومنه إلى مستشفيات غزة، وهي فاتحة شحنات طبية ستصل لاحقاً، وسبقتها شحنات أخرى طبية وإغاثية خلال الأعوام السابقة، وكان آخرها في شهر رمضان الماضي. هذه المساعدات جاءت بتعليمات سامية من الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس، ومن ماله الخاص بعد أن تقاعست الدول الخمس عشرة المكونة للجنة القدس عن القيام بواجبها بدفع ما عليها من استحقاقات للجنة القدس وبيت مال القدس.
هذا الأمر دفعني للعودة للكتابة مجدداً عن العلاقات المغربية الفلسطينية انطلاقاً مما عايشته ولمسته خلال 30 عاماً من إقامتي في المملكة المغربية، والكتابة مجددا عن مستقبل العلاقات العربية الفلسطينية المغربية في ظل التطبيع مع إسرائيل، وما هو الثابت في هذه العلاقات، وما التحولات التي طرأت عليها وأسبابها.
بالرغم من حالة الغضب الشديد من المواقف السلبية للدول العربية تجاه حرب الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وهي مواقف غير مفهومة حتى الآن لا رسميا ولا شعبيا، يجب التنويه بداية إلى أن كل الدول العربية رسمياً وشعبياً وقفت إلى جانب الشعب الفلسطيني، وبأشكال دعم واسناد متفاوتة، من الدعم العسكري المباشر بالسلاح وفتح قواعد ومعسكرات تدريب للفدائيين والمقاتلين من كل الفصائل كما كان الحال مع الجزائر والعراق وسوريا ولبنان وليبيا والسودان واليمن والأردن قبل ١٩٧٠، إلى الدعم السياسي والمالي كمصر ودول الخليج العربي، وموريتانيا والمملكة المغربية.
علاقات غير مستقرة
كانت هذه العلاقات تتعرض للتوتر وأحياناً تنقلب للنقيض لأسباب متعددة، منها ما له علاقة بالدول العربية نفسها مثل الصراعات السياسية والأيديولوجية في العالم العربي، ورغبة كل دولة في جر وتوظيف القضية الفلسطينية لصالحها، نظراً للشعبية التي تحظى بها فلسطين عند الشعوب، أو عندما تتغير أنظمة الحكم فيها، أو نتيجة ضغوطات خارجية، أو عندما تعتقد بعض الأنظمة أن الفلسطينيين أو بعض أحزابهم ينحازون لخصومهم السياسيين، أو كما جرى عندما طبعت دول عربية علاقتها مع اسرائيل.
وأحيانا يتم اتهام الفلسطينيين بأنهم السبب في تحول مواقف العرب تجاههم. مثلا عندما تمردوا على محاولة بعض الأنظمة اخضاعهم للتبعية والوصاية، أو كما جرى بعد توقيع اتفاقية أوسلو والاعتراف بإسرائيل حيث انفض من حولهم كثير من الشعوب العربية حتى بعض الأنظمة، أو بسبب خلافاتهم الداخلية وانحياز بعضهم لأحلاف ومحاور تشكل تهديداً لبعض الدول العربية.
المغرب وفلسطين علاقات عقلانية واحترام متبادل
يمكن اعتبار المملكة المغربية الدولة الوحيدة التي قامت علاقتها مع القضية الفلسطينية على أسس عقلانية واحترام متبادل، دون أن يكون للمغرب أية أهداف سياسية أو أيديولوجية من وراء مساندتها للشعب الفلسطيني، وهي علاقة تعود إلى زمن مساهمة المغاربة في القتال إلى جانب صلاح الدين الأيوبي لتحرير القدس، وحي المغاربة في القدس ما زال شاهدا على عمق هذه العلاقات.
في الموقف من القضية الفلسطينية قليلة نقاط الاختلاف بين الموقف الشعبي والموقف الرسمي، فالدعم والإسناد كان بعيدا عن الحسابات الحزبية الضيقة، وكل المغاربة يتوافقون على القضية الفلسطينية كتوافقهم على مغربية الصحراء. كان لسان حال المملكة القصية في غرب العالم العربي يقول للعرب والفلسطينيين قرروا ما تريدون ونحن نقف معكم.
فعندما دخلت مصر وسوريا في حرب أكتوبر ١٩٧٣ أرسل المغرب جزءاً من جيشه بقيادة الجنرال الصفريوي للقتال على الجبهة السورية، واستشهد هناك عشرات المغاربة، كما استضاف المغرب عديد مؤتمرات القمة العربية والإسلامية منها قمة الرباط ١٩٧٤ التي تم فيها الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، وفي الرباط تم انعقاد أول قمة إسلامية في سبتمبر ١٩٦٩، رداً على حرق يهودي متطرف للمسجد الأقصى، وفي هذه القمة تم تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم ٥٧ دولة، وفي عام ١٩٧٥ تأسست لجنة القدس، وأسندت رئاستها إلى المرحوم الملك الحسن الثاني، وفي عام ١٩٩٩ انتقلت رئاستها للملك محمد السادس، كما استمر المغرب الرسمي في دعم كل القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية في المحافل الدولية.
شعب المغرب يساند الكفاح الفلسطيني
وشعبياً، استمرت الجمعية المغربية لمساندة كفاح الشعب الفلسطيني بالعمل منذ تأسيسها عام ١٩٦٨ إلى اليوم، وهي تجمُع لكل الأحزاب والنقابات وشخصيات وطنية من كل التوجهات السياسية، وكان على رأسها شخصيات وطنية مرموقة كالمرحوم أبو بكر القادري ثم المحامي خالد السفياني ومن بعده بن جلون، بينما توقفت عن العمل غالبية الجمعيات العربية التي تأسست معها. كما شهدت شوارع المدن المغربية أضخم المظاهرات المساندة للشعب الفلسطيني والمنددة بالعدوان على العراق واحتلاله من الأمريكان، كما تطوع المئات من الشباب المغربي للقتال في صفوف الثورة الفلسطينية.
وبالرغم من تطبيع المغرب لعلاقاته مع اسرائيل إلا أن ذلك لم يؤثر كثيرا على مكانة فلسطين عند المغاربة، وقد اتصل العاهل المغربي محمد السادس بالرئيس أبو مازن مؤكدا أن تطبيع المغرب لن يؤثر على العلاقات الأخوية بين الشعبين الفلسطيني والمغربي وبعد أشهر قليلة من تطبيع المغرب وإسرائيل قام إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس على رأس وقد قيادي كبير بزيارة المملكة وفي تصريحاته الإعلامية شكر هنية صاحب الجلالة على دعمه للشعب الفلسطيني دون التطرق للتطبيع.
التطبيع قرار سيادي لكل دولة وليس من حق الفلسطينيين التدخل
كل ما سبق لا ينفي حقيقة وجود فتور وتراجع في العلاقات الفلسطينية العربية بشكل عام رسميا وشعبيا، وتزايد عدد الأصوات والمنابر التي تسعى لقطع علاقة فلسطين بالعالم العربي، وقد تأكد هذا خلال حرب الإبادة غير المسبوقة في إجرامها على غزة. وإن كان للفلسطينيين التعبير عن استيائهم وغضبهم من سلبية المواقف العربية مما يجري في غزة والضفة، إلا أن عليهم في نفس الوقت إدراك أن العالم يتغير بما فيه العالم العربي حيث المصالح الوطنية ومتطلبات الحفاظ على الأمن القومي لكل بلد أصبح لها الأولوية على أية اعتبارات سياسية أو أيديولوجية تبنى على رابطة الدين أو العروبة أو غيرها، وهذا يفرض تحديا على الشعب الفلسطيني والقوى المساندة له أن يتعاملوا مع هذا الواقع العربي الجديد بما فيها الدول المطبعة مع إسرائيل والتي لا يبدو أنها ستتحلل من علاقة التطبيع في المدى القريب.
ونعتقد أن تميز وعمق العلاقات المغربية الفلسطينية ووجود الملك محمد السادس على رأس لجنة القدس ومبادرته الأخيرة بإرسال مساعدات طبية واغاثية لغزة والقدس، يمكنها أن تؤسس نموذجا لنمط جديد من العلاقات العربية الفلسطينية في ظل التطبيع مع إسرائيل، وقد سبق أن كتبنا مقالا بعنوان (طبعوا إن شئتم ولكن ليس على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني) لقناعتي بأن التطبيع قرار سيادي لكل دولة وشعبها وليس من حق الفلسطينيين التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية الشقيقة.
نعتقد أن تميز وعمق العلاقات المغربية الفلسطينية ووجود الملك محمد السادس على رأس لجنة القدس ومبادرته الأخيرة بإرسال مساعدات طبية واغاثية لغزة والقدس، يمكنها أن تؤسس نموذجا لنمط جديد من العلاقات العربية الفلسطينية في ظل التطبيع مع إسرائيل.