- ارتفاع عدد الشهداء إلى 8 بينهم أطفال جراء قصف طائرات الاحتلال مدرسة تؤوي نازحين في مدينة غزة
- جيش الاحتلال ينسف منازل سكنية في مخيم جباليا شمال غزة
تتركز الأنظار في منطقتنا الشرق أوسطية على الرد الإسرائيلي المدعوم أميركياً وغربياً على عملية إيران التي استمرت خمس ساعات صباح الأحد الماضي، والتي تصفها طهران بأنها دفاعية ورداً على هجوم إسرائيل على قنصليتها في دمشق الأول من أبريل (نيسان) الجاري، حيث قُتل عدد من قيادات «الحرس الثوري» الإيراني البارزين.
الولايات المتحدة من جانبها تحركت عبر عدة مسارات مسبقة؛ تضمنت رسائل لطهران لكي لا يخرج ردها على حدود معينة تفتح أبواب الجحيم على المنطقة، وفي الوقت نفسه تأكيد دعمها لما تصفه الدفاع عن أمن إسرائيل.
وكان واضحاً قبل الهجوم الإيراني أن هدف واشنطن أن يظل الرد الإيراني ذا طابع رمزي لا يدفع إسرائيل إلى رد أقوى قد يورط الولايات المتحدة نفسها في مواجهة إقليمية لا يعلم أحد كيف ستكون نتائجها الكارثية. القلق الأميركي من التورط «القسري» لحماية إسرائيل، الحليف المدلل، يفسر جزئياً التحذير الرئاسي الذي وجهه بايدن إلى إيران، مطالباً إياها بألا تفعل أي هجوم ضد الحليف المدلل، وإن فعلت ففي حدود معينة. وهو ما حدث بالضبط.
هجمة إيران التي تصدت لها قوات جوية أميركية وفرنسية وبريطانية إلى جانب الدفاعات الإسرائيلية، ولم تسفر عن أضرار كبيرة، إلا أن القلق الأميركي ما زال قائماً من اندفاع نتنياهو وحلفائه المتطرفين للقيام برد موسع، ستكون له نتائج غير محسوبة. ويبدو البيت الأبيض معنياً أكثر برد دبلوماسي مدعوم بمجموعة الدول السبع، كخطوة مسبقة لتهدئة خواطر الحليف المدلل من جانب، والتحسب من تهديدات طهران بمهاجمة القواعد الأميركية، إن خرجت الأمور عن الحسابات العقلانية من جانب آخر، وهو ما تتحسب له واشنطن جدياً.
الموقف الأميركي المُدرك عواقب انفلات الأمور في الشرق الأوسط، واحتمالات التورط القسري في عملية عسكرية موسعة ضد إيران وحلفائها، ما زال محصوراً في عملية ضبط سلوك حكومة الحرب الإسرائيلية، ولكن من دون القيام بضغوط حقيقية تقود إلى إنهاء العدوان على قطاع غزة، وفتح آفاق سياسية أمام حل الدولتين، ما يضع حدوداً على تدخلات إيران وحلفائها. وبينما تظل التحركات الأميركية ذات دلالة لتهدئة الخواطر الإسرائيلية، فالأمور تثبت أن ثمة حدوداً لتأثير تلك التحركات، ما لم يتم ضبط التطرف الإسرائيلي فعلياً بوصفه شرطاً أساسياً لدور أميركي أكثر فعالية.
المثل الثاني للفعالية المحدودة يظهر بوضوح في تحذير بايدن للصين لكي لا تهاجم مصالح فلبينية في بحر الصين الجنوبي، فإن حدث أمر كهذا ستضطر واشنطن، وفقاً للرئيس بايدن، إلى تفعيل معاهدة دفاع مشترك تعود إلى عام 1951. وهو تحذير يعكس ما تسعى واشنطن إلى تأكيده بأنها لن تتأخر في الرد على أي اعتداء ضد أي من حلفائها المقربين، الفلبين وأمثالها في شرق آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية فضلاً عن أستراليا، وإسرائيل في الشرق الأوسط. وفي كلا الموقفين يكمن قدر من الغموض حول حجم التورط الذي قد تندفع إليه واشنطن، ففي حالة دعم الفلبين ثمة مواجهة مفترضة مع الصين، وفي حالة إسرائيل ثمة حالة مواجهة محتملة مع إيران وحلفائها، لا تسعى إليها واشنطن. وفي الحالتين يكمن هدف واشنطن بعيد المدى ومفاده إثبات قيادتها للنظام الدولي وفقاً لما تعرفه بالقواعد، التي تعني هيمنتها على النظام الدولي. وفي كلتا المواجهتين المفترضتين حال حدوثهما أو أي منهما، هناك آثار مباشرة على المصالح الأميركية والاقتصاد العالمي معاً.
فمواجهة الشرق الأوسط إن فلت عيارها، وتصبح الولايات المتحدة في قلبها كما يتمنى اليمين الإسرائيلي الحاكم في تل أبيب، لا أحد يضمن ما الذي يمكن أن يحدث في سوق النفط العالمية، أو حجم الأضرار التي ستصيب البنية التحتية للمواصلات البحرية في الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر، أو الانعكاسات السلبية اقتصادياً وتجارياً على العالم كله، ناهيك عن التغير المحتمل لتوازن القوى في الإقليم ككل، وهو الشق الأكثر غموضاً في أي تحليل مهما كان الخيال ورسم سيناريوهات متعددة السياقات. ففي مقابل حجم التورط الأميركي، إن حدث والمصحوب بعدوانية إسرائيلية، هناك عنصر الرد الإيراني القاسي والمحتمل، الذي تم تأكيده رسمياً في رسالة لمجلس الأمن الدولي، مصحوباً بتدخلات حلفاء طهران. وفي الجانبين معاً سوف يشهد الإقليم انفجارات كبرى.
التداعيات الخطرة جداً متضمنة أيضاً في أي مواجهة فلبينية - أميركية محتملة ضد الصين. صحيح أن حجم التداعيات الخطرة ومدى انتشارها إقليمياً وعالمياً، مرهون بحجم المواجهة الفعلية على الأرض، فإن مجرد حدوث احتكاك عسكري أياً كان حجمه تشارك فيه الولايات المتحدة سوف يؤدي إلى آثار مباشرة على حركة التجارة العالمية في بحر الصين الجنوبي كله، وهو الذي تمر منه ثلاثة تريليونات دولار من التجارة العالمية، ما قد ينسف تماماً ولمدة طويلة سلاسل الإمداد، ويعوق الصادرات الصينية، ويعطل الصناعات في تايوان، لا سيما صناعة الرقائق الإلكترونية التي تمد العالم بنحو 70 في المائة من احتياجاته من تلك السلعة المهمة، وسيمتد الأمر إلى مجمل التفاعلات بين دول بحر الصين الجنوبي ومنظمة الآسيان. وبالتالي سوف تنشأ خريطة تحالفات جديدة ستضيع معها حالة الاستقرار والسلم إلى زمن طويل مقبل.
ربما كانت بعض هذه التداعيات المعقدة كامنة في العقلية الاستراتيجية التي صاغت تحذيرات الرئيس بايدن، وفي حالة تحذير الصين، وقبل انعقاد اللقاء الثلاثي بين الرئيس بايدن وكل من رئيس الوزراء الياباني، ورئيس الوزراء الفلبيني، الذي صدرت عنه تأكيدات بالتزام واشنطن الدفاع عن هذين الحليفين، وتطوير الشراكات الدفاعية معهما، والإعلان عن مناورات مشتركة في بحر الصين الجنوبي في المنطقة الاقتصادية الخالصة للفلبين، كانت هناك خطوة أميركية أخرى تجاه الصين، تمثلت في اتصال مع بكين لتأكيد الطبيعة الدفاعية للتحركات الأميركية بناء على التزامات سابقة، ولا تستهدف أي طرف آخر.
ولا يتوقع أي عاقل أن مثل هذه الرسالة الأميركية قد تقنع الصين بأن تتخلى عن سياستها الخاصة ببحر الصين الجنوبي، الذي تراه ملكية خالصة لها، لا سيما في ضوء القناعات الصينية الراسخة بأن واشنطن لم تتخلَ عن احتوائها استراتيجياً، بل وتوريطها في حرب تؤدي إلى استنزاف قدراتها، مثل نسخة أخرى من استنزاف روسيا في أوكرانيا.